زهير السراج

لماذا الأول من مايو ؟!


* كثيرون يعتقدون “خطأً” أن عيد العمال فكرة شيوعية، كما ظن جهلاء النظام السوداني الحاكم فألغوا الاحتفال بعيد العمال ثم أعادوه لاحقاً وغيروا موعده، ولكن بدون تعطيل دولاب العمل كما تفعل كل بلاد الدنيا إحتفاءً بالعمل والعمال!!
* في حقيقة الأمر فلقد بدأت الفكرة في أستراليا يوم 21 ابريل/ نيسان العام 1856 ــ كما تقول صحيفة (إيلاف) اللندنية الالكترونية ــ ثم طارت إلى الولايات المتحدة بعد عدة سنين ليكون أول احتفال رسمي بعيد العمال في الولايات المتحدة في الخامس من سبتمبر/ أيلول عام 1882 في مدينة نيويورك، ثم انتشر الحدث ليصبح عيداً عالمياً تكريماً للعمال، وتم تحديد الأول من مايو/ أيار للاحتفال به كذكرى لإحياء النضال من أجل الثماني ساعات في اليوم، وكانت ولاية شيكاغو الأميركية أصل تلك الاحتفالات حين تفجرت نزاعات بين العمال وأرباب العمل لتخفيض ساعات العمل اليومي إلى ثمان ساعات، وانتقلت الى مدينة هاميلتون في ولاية كاليفورنيا، ثم في تورونتو الكندية العام 1886، ما أدى إلى ظهور قانون الاتحاد التجاري، الذي أضفي الصفة القانونية، وقام بحماية نشاط الاتحاد في عام 1872 في كندا.

* وفي العام 1882، شهد زعيم العمال الأميركي (بيتر ماكغواير) أحد الاحتفالات بعيد العمال في تورونتو، واستلهاماً من أحداث الاحتفالات الكندية في تورونتو الكندية، عاد إلى نيويورك ليقوم بتنظيم أول عيد للعمال يحتفل به في اليوم نفسه، في الخامس من سبتمبرمن كل عام.
* وجرى أول عيد للعمال في الولايات المتحدة في الخامس من سبتمبرعام 1882 ، في مدينة نيويورك، وفي أعقاب مقتل عدد من العمال على ايدي الجيش الأميركي ومارشالات الولايات المتحدة خلال الاضراب المعروف باسم (بولمان) في عام 1894، أجرى الرئيس (غروفر كليفلاند) تسويات مصالحة مع حزب العمل باعتباره أولوية سياسية، وخوفاً من المزيد من الصراعات، تم تشريع عيد العمال وجعله عطلة وطنية من خلال تمريره إلى الكونغرس والموافقة عليه بالإجماع، فقط بعد ستة أيام من انتهاء الإضراب.

* كان الرئيس كليفلاند يخشى أن تتواءم عطلة عيد العمال مع الاحتفالات بيوم (مايو الدولي) الذي يرتبط بكارثة (هايماركت) التي وقعت في عام 1886، عندما أطلق أفراد شرطة شيكاغو النار على عدد من العمال أثناء إضراب عام مطالبين بحد أقصى لعدد ساعات اليوم الواحد لا يزيد عن ثماني ساعات، ومع انتشار الفكرة في جميع أنحاء العالم، تم اختيار الأول من مايو من كل عام ليصبح ذكرى للاحتفال بحلول الدولية الثانية للاشخاص المشتركين في حادثة (هايماركت) عام 1886.

* وقعت حادثة (هايماركت) نتيجة للاضراب العام في شيكاغو، عاصمة ولاية إلينوي الأميركية، والذي شارك فيه عموم العمال والحرفيين والتجار والمهاجرين، وفي أعقاب الحادث الذي فتحت فيه الشرطة النار على أربعة من المضربين وقتلهم في شركة ماكورميك للحصاد الزراعي، تجمع حشد كبير من الناس في اليوم التالي في ساحة هايماركت، وظل الحدث سلمياً إلى أن تدخلت الشرطة لفض الاحتشاد، فألقى مجهول قنبلة وسط حشد الشرطة، وأدى انفجار القنبلة وتدخل شرطة مكافحة الشغب، إلى وفاة ما لا يقل عن اثني عشر شخصاً بينهم سبعة من رجال الشرطة.

* تلا تلك الواقعة محاكمة مثيرة للجدل، حيث تمت محاكمة ثمانية من المدعى عليهم بسبب معتقداتهم السياسية، وليس بالضرورة عن أي تورط في التفجير، وأدت المحاكمة في نهاية المطاف إلى إعدام سبعة أشخاص، وبهذا صارت قضية هايماركت مصدراً لغضب للناس في أرجاء العالم، وفي السنوات التالية، ظلت ذكرى (شهداء هايماركت) في الذاكرة ضمن العديد من الإجراءات والتظاهرات الخاصة بالأول من مايو.

* وفي الزمن الراهن، أصبح الأول من مايو احتفالاً دولياً للانجازات الاجتماعية والاقتصادية للحركة العمالية، وعلى الرغم من أن الأول من مايو، هو يوم نبع من الولايات المتحدة، فإن الكونغرس الأميركي خصص الأول من مايو كـ(يوم للوفاء) عام 1958، نظراً للتقدير الذي حظي به هذا اليوم من قبل الاتحاد السوفياتي، ولكن وفقا للتقاليد فان عيد العمال يحتفل به في الولايات المتحدة أول يوم اثنين من شهر سبتمبر، وفي كثير من الأحيان يتخذ الناس هذا اليوم كيوم للاحتجاج السياسي مثل احتجاج مليون شخص في فرنسا في العام الماضي وتظاهرهم ضد مرشحة اليمين المتطرف جان ماري لوبان، أو كيوم للاحتجاج على بعض الإجراءات الحكومية، مثل مسيرات الدعم للعمال الذين لا يحملون وثائق في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

* أرجو أن يكون جهلاء نظام الانقاذ الحاكم قد فهموا لماذا اختارت العديد من الدول (الأول من مايو) يوماً للاحتفال بعيد العمال، فهو اليوم الذي نجحت فيه الحركة العمالية الأمريكية في خفض ساعات العمل اليومى الى ثمان ساعات، ولم يخترعه أو يبتدره الشيوعيون، كما يظن الجهلاء!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة