انتقال سودانية 24 إلى (عرب سات) فصول رواية وتفاصيل حكاية
جدل كثير أثاره خبر انتقال قناة (سودانية 24) إلى البث عالي الوضوح (HD). فالخطوة هي الأولى من نوعها لقناة سودانية، ولعدد قليل لرصيفاتها العربية. فإذا كانت القناة راهنت إلى جانب الجدة والتميز والاختلاف في العرض والطرح، على نقاء الصورة وجودة البث، فإن تقنية الـ(HD) تمنح القناة تميزاً إضافياً غير مسبوق.
وفي المؤتمر الصحفي الذي نظمته القناة لاستعراض البرمجة الرمضانية وخطط التطوير كان سؤال القمر (عرب سات) حاضراً، إذ تساءل عدد من الصحفيين المشاركين في المؤتمر عن جدوى وأهمية الخطوة ونتائجها بمثل ما تساءل الأستاذ/ معاوية السقا في صدر الصفحة الخامسة عشر من صحيفة (الصيحة) يوم الأربعاء 10 مايو 2017م كاتباً “لماذا تغادر قناة سودانية 24 قمراً عالي المشاهدة إلى قمر غير مشاهد؟”.
بدا متيقناً من عدم إقدام أي من القنوات السودانية الأخرى للانتقال لـ(عرب سات) للحيلولة دون خسارة جمهورها ومشاهديها، تجنُّباً لتكرار تجربة قناة (النيلين) الرياضية التي فقدت جمهورها– حسبما يرى- بسبب انتقالها لقمر (عرب سات). ولعل المدهش في هذا التعليق والافتراض هو مفارقته للوقائع الموجودة والمتمثلة في شروع عدد من القنوات السودانية للانتقال لـ(عرب سات) فعلياً!
(عرب سات) ليس مجانياً ولا رخيصاً
قبل التعليق على محتوى المقال المذكور من الضروري التأكيد على نقطة أساسية استند إليها المقال التحليلي والمتمثل في وجود صعوبات مالية دفعت إدارة قناة سودانية 24 لاتخاذ قرارها بالانتقال لعربسات بالكامل مستقبلاً، إذ لا توجد هذه الفرضية في الأساس، ويعزو القرار لأسباب فنية محضة سيتم الإشارة إليها في السطور التالية.
أما النقطة الثانية واجبة التعليق فهو عدم تطابق التجربة الحالية أو تشابهها مع تجربة قناة (النيلين)، وفي ذات الوقت عدم اتفاقنا مع ما ورد بالمقال حول افتقار قناة النيلين لجمهورها ومتابعيها بسبب انتقالها لـ(عرب سات)، إذ إنني أعتقد أن السبب الحقيقي هو فقدانها لحق بث الدوري الممتاز لموسم 2017-2018م… فبالقرائن العملية قام العديد من السودانيين باستخدام نموذج الطبقين لتمكينهم من متابعة قنوات النايل سات والنيلين على العرب سات، وبالتالي فإن فرضية (النيلين) نفسها نجد أنفسنا غير متفقين حيالها.
من المهم الإجابة على سؤال أساسي (لماذا الانتقال من النايل سات والقلف سات إلى عرب سات؟) الإجابة تحمل شقين أحدهما مستقبلي والثاني ذاتي. ونجد أن الإجابة على ما هو مستقبلي ستمضي في ذات الاتجاه الذي انبنى عليه المقال التحليلي واستند عليه، إذ تشير المعطيات الحالية لبداية انتقال القنوات الأساسية على النايل سات التي قدرها الأستاذ السقا بأكثر من 1400 قناة إما لعربسات أو لأقمار أخرى.
فعلى السبيل فإن جميع قنوات شبكة تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) شرعت في إكمال انتقالها لعرب سات، وبذات القدر فإن شبكات قنوات الجزيرة بما في ذلك الإخبارية والوثائقية وحتى الرياضية تتسارع خطاها للانتقال لقمر (عرب سات) بعد أن أكملت انتقالها إلى القمر القطري (سهيل سات). وينطبق ذات الأمر على القنوات الخليجية الأخرى، وبالاستناد لذلك فإن القنوات الأكثر تأثيراً في ما عدا القنوات المصرية ستكون خارج مدار النايل سات، فإذا كان المنطق هو الوجود حيث يتابع المشاهد بالاستناد للقنوات الأكثر تأثيراً فهذا الخيار هو عرب سات.
تقنية البث عالي الوضوح (HD).. رهان المستقبل
في ما يتعلق بالشق الخاص للانتقال لعرب سات فإن ذلك الانتقال يحقق في البداية فوائد تقنية عالية بالانتقال للبث على الـ(HD) مع توفير العربسات لمساعدات تقنية عالية وتقديم إسناد تقني، وحتى في ما يتعلق بالتبادل البرامجي والنقل المباشر وغيرها، وهي خدمات عند مقارنتها بكل من النايل سات أو حتى القولف سات نجدها غير متوفرة أو متاحة فيهما. ومن الضروري التنبيه للإمكانيات الفنية الضخمة المتاحة والمتوفرة لعرب سات لكونه إحدى المؤسسات الإعلامية العربية الإستراتيجية، ووجود جوانب أخرى متصلة بفرص التدريب للكادر البشري.
أما على المستوى المادي فالقيمة الكلية لخيار العربسات بالمقارنة ما بينه والنايل سات والقولف سات متشابهة، مع وجود تسهيلات في الدفع والسداد لدى الأول. بشكل مباشر إذا كان لدينا فرصة للحصول على عرض مميز سيصبح هو الخيار المستقبلي الآن بامتيازات.. فهل علينا الانتظار حتى يحل علينا يوم ينطبق علينا المثل العربي “الصيف ضيعت اللبن؟”، كل القرائن تقول إن الوجهة المستقبلية للقنوات هي الانتقال لعرب سات.
سودانيو المهاجر وأفريقيا.. أولوية
الجانب الخاص بجودة البث ومساحة انتشاره تجعل الكفة تميل لـ(عرب سات) أكثر من قمري النايل سات. فجودة البث محسومة بالمعايير الفنية لمصلحة (عرب سات)، أما في ما يتعلق بحدود البث فنجد أن (عرب سات)- بمجموع أقماره التي تقدم خدمات متكاملة- يحقق للقنوات التي تبث من خلاله المشاهدة في مناطق أوسع تشمل شمال إفريقيا وكل القارة الأوربية وأمريكا الشمالية. وبالنظر لتلك المواقع فإننا نجد وجوداً ملموساً وفاعلاً للجاليات السودانية بتلك المواقع بشكل يترتب عليه زيادة نسبة المشاهدين للقناة ويصب إيجاباً حتى على مستوى العائد والمردود لإعلانات المعلنين، ويتوقع أن يتنامى هذا الأثر بعد رفع العقوبات الاقتصادية والانفتاح التجاري للسودان تجاه العالم.
وهذا التحول ذو الدلالة الإيجابية سيكون مفيداً بشكل مزدوج للقناة في جذب فئات أوسع من المتعاملين مع القناة، بفضل زيادة المشاهدة، وتشجيع مختلف الجهات لمخاطبة أسواق جديدة لم تكن ضمن خارطة اهتماماتها بسبب ظروف العقوبات الاقتصادية، ووقتها تكون القناة قد حققت عدة فوائد باستقطاب مشاهدين جدد وتحفيز المعلنين لطرق مواقع لم يصلوها سابقاً. ومن الواضح أن هذه المعادلة تصب في شكلها النهائي إيجاباً في ما يتعلق بتعلية وتنامي الإيرادات المحققة للقناة.
الإذاعة والموقع الإلكتروني على الخط.. نحو شبكة متكاملة
إن خطوة التطوير والتوسع والانتشار أوجبت تخطيطاً محكماً، ينظر إلى الواقع الإعلامي السوداني وإمكاناته الكبيرة وآفاقه المستقبلية. واستجابة لهذا الاستشراف، أطلقت شركة اس تونتي فور إذاعة يبدأ بثها في رمضان بنقل محتوى القناة قبل أن تستقل بنفسها، لإضافة إلى الموقع الإلكتروني، الضي سيكون أكبر من مجرد عارض لمواد البرامج والتنويه بمواقيت البث، بل خطط له ليكون صحيفة إلكترونية كاملة الدسم.
ختاماً نعتقد إن توجهنا صوب (عرب سات) اقتضته تلك المعطيات التي تستقرئ المستقبل وتستشرف آفاقه من اليوم، ومن المؤكد أن الدافع لهذا القرار وركيزته الأساسية هو استمرار قناة سودانية 24 (S24) في المحافظة على ميزاتها الأساسية التي تميزت بها منذ انطلاقة بثها التجريبي في يوليو الماضي بنقاء صورتها وجودة محتواها، والمضي لأكثر من ذلك بالسعي في منح تطوير تلك الميزات وصولاً للشاشة سودانية قادرة على مضاهاة القنوات العالمية بهدف تقديم المنتج الإعلامي السوداني الذي يتولى تقديم السودان بغير ما اعتاده الناس بأنه أرض للجمال والتنوع، وبث الأمل لدى السودانيين بأن بلادهم أجمل ليست بمواردها في ظاهر الأرض وباطنها فقط، وإنما بإنسانها وما يحتويه في دواخله من صفات وسلوكه الفريد نادر الوجود.
* مدير إدارة البرامج – قناة سودانية 24 (S24)
صحيفة الصيحة