حجة الإنجيل والتدجيل
لم اسمع بأن نظامًا عربيًا -على بؤس الأنظمة العربية ومعاناتها من الحول وضعف النظر- لجأ إلى العرافين وقراءة الطالع قبل البت في شأن من شؤون الحكم، بل نعرف أن الخرافة متفشية في أوساط العامة، في مجالات محدودة مثل شل قدرات لاعبي فريق ما لكرة القدم، أو منع رجل من الزواج بأخرى، أو تحويل مناديل الورق إلى دولارات، ولكنني سمعت كيف أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان كان يستشير قارئة حظ قبل اتخاذ أي قرار، وأنه لم يكن يقوم بأي نشاط يتعلق بأمور الحكم يوم الأربعاء بتوجيه من تلك العرافة، )من تأثيرات الثقافة النوبية على السودانيين عموما -حتى الذين يزعمون أنهم عرب من قريش حتة واحدة- التشاؤم بيوم الأربعاء، والنوبيون يتشاءمون بشدة من يوم الأربعاء الذي يعقب انتهاء دورة اكتمال القمر، ويسمونه »أربها أون أباق«، ولا يتزوجون أن يختنون عيالهم في مثل ذلك اليوم(.
… وأتخيل أن ريجان كان يجلس أمام العرافة مرة كل أسبوع ويقول لها: هادا مؤمر قدافي حق ليبيا واجد مشكلة، أنا أيش يسوي منشان هو فينيش؟ كل شوية هو يسوي جنجال ولازم هو في خوف من أمريكا منشان أراب ما في صير شيوعي متل هو! )كان ريجان يكره القذافي كره ترامب للمسلمين عموما( فتقول له العرافة: ما في مشكل بابا، أنت في طخ قذافي بطيارات أف 15 وهو يصير فينيش وأنت يصير واجد مستأنس!!
ولأن الإنسان المخرِّف، أي المؤمن بالخرافات يعاني بالضرورة من فقدان القدرة على التحليل والاستنتاج المنطقي، فإن ريجان لم يستنتج أن العرافة كانت فاشوش، بعد أن فشلت الغارة التي شنها على بيت القذافي في »تفنيشه« من الدنيا، ربما لأن العرافة كانت مسلحة بتبرير )كتبريرات العرافة ماغي فرح( جاهز مثل أن زحل خرج عن مداره والتقى بالمريخ فوق البحر الأبيض المتوسط مما وفر الحماية للقذافي!! وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قام بعضنا ببث تخريجات ما أنزل الله بها من سلطان حول كيف أن سورة التوبة تحوي تفاصيل تلك العملية بل وتحدد اسم الشارع الذي يقع فيه برجا مركز التجارة العالمي اللذان راحا ضحية العملية.
ولكن هل تصدقون أن الغزو الأمريكي للعراق قام في ضوء نبوءة وكهانة؟ وكما يقولون فإن الكلام حلو من فم صاحبه، فقبل بضع سنوات ألف المدعو مايكل دروسنين كتابًا قال فيه إن الإنجيل يحوي شفرة تتنبأ بالأحداث المستقبلية، وبعد صدور الكتاب بأشهر قليلة، تلقى دروسنين مكالمة هاتفية من الدكتور لينتون ولز مدير المخابرات الأسبق في وزارة الدفاع الأمريكية، يدعوه فيها إلى زيارة واشنطن على وجه السرعة، لأن نائب وزير الدفاع الأمريكي »وقتها« بول وولفويتز يريد منه أن يجتمع بهيئة الأركان الأمريكية ومن بينهم الأدميرال لويل )جيك( جيكوبي مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية وهي أكبر وكالة تجسس في العالم، وفعلاً طار دروسنين إلى واشنطن واجتمع بالرؤوس الكبيرة وشرح لهم كيف أن الإنجيل تكلم عن مصرع صدام حسين، واللي صار، صار!! وما شجع الأمريكان على الاستعانة بدروسنين هو أن مدير المخابرات الإسرائيلية الموساد، الجنرال مائير داجان أبلغهم عن النبوءات الإنجيلية القيمة التي قدمها دروسنين إلى الحكومة الإسرائيلية حول دحر الانتفاضة الفلسطينية نهائيا!
ضع أيها القارئ هذه الحكاية وهي بالمناسبة مأخوذة عن مقال كتبه دروسنين بنفسه في صحيفة دايلي ميل البريطانية. ضعها مع حكاية محور الخير وحرب الجنرال بويكن المقدسة ضد الشيطان )الإسلام( ثم عليك أن تصدق أن الهوس والتشدد والتصلب والشطط والتطرف سمة إسلامية فقط وأن الأمريكان ليسوا مهووسين دينيا، ويتخذون قراراتهم فقط في ضوء معطيات علمية!
زاوية غائمة – جعفر عباس