الطيب مصطفى

هل مناهجنا مواكبة يا بروف سمية ويا مديري جامعاتنا؟!


إفادات من ذهب رغم مرارتها تلك التي أدلى بها وزير العدل السابق الدكتور عوض الحسن النور حول ضعف خريجي القانون تصلح لفضح مناهجنا وجامعاتنا في شتى التخصصات.

فقد كشف د.عوض أمام نواب البرلمان أن ستة آلاف من خريجي القانون يمتحنون مرتين في العام لينجح منهم (5)% فقط، وقال إن خريجي كليات الحقوق يعانون اليوم من عدم الإلمام بالقواعد القانونية مشيراً إلى أن وزارة العدل طلبت من لجنة الاختيار تعيين قانونيين تقدم منهم (2000) خريج نجح منهم (549) بيد أن (فهمهم للقانون كان صفراً).

ما أثار انتباهي وجعلني أتوجع بذات القدر الذي حكى عنه د.عوض الحسن النور الذي أسعفته خبرة طويلة داخل السودان وخارجه في تلمس مشكلات ممارسة مهنة القانون في بلادنا أن التداول الذي استدعى ذلك الحديث كان منصبا على قيام معهد العلوم القضائية والقانونية الذي قصد منه أن يكون تدريبياً وليس أكاديمياً ليعالج مواطن الضعف في مهنة تتعلق بإقامة قيمة العدل التي تحتل مكاناً علياً عند الله وعند الناس.

استفاض د.عوض في حديثه فقال إن القضاء صناعة وأنهم لاحظوا ضعفاً لدى القضاة ووكلاء النيابة ولذلك فأنهم يُعلّمون القاضي كيف يكتب الحكم وكيف يتعامل مع المواطنين بل أنهم يُعلّمون القاضي الخط نظراً لأنه يكتب الحكم بخط يده.

حرصت أن أكتب كل هذه التفاصيل من حديث د.عوض لأقول إن ما أدلى به يسري على كل التخصصات الأخرى، فمما أحزنني أن الخريجين لا يتعلمون ممارسة مهنهم إلا بعد ان يدخلوا الحياة العملية في ذات المجال ويخضعوا لتدريب عملي كثيف، فخريج الطب رغم سنوات الدراسة الطويلة التي يحشى فيها ذهنه بكميات هائلة من العلم النظري يفتقر إلى الممارسة العملية لدرجة أنه لا يعرف كيف يطعن الحقنة.

خريجو الإعلام ناهيك عن بقية الكليات النظرية كالآداب والاقتصاد ينجح ربعهم في امتحان القيد الصحافي وما نراه بأعيننا في من يلتحقون بمهنة الصحافة من الخريجين يكشف أن هناك مشكلة كبرى تعاني منها مناهج الكليات النظرية بما فيها الإعلام خاصة في اللغة العربية وأني لحزين أن يضعف مستوى معظم الخريجين في كل التخصصات في اللغة العربية بالرغم من صعوبة المنهج في مرحلة الأساس جراء عدم تدرجه من صف إلى آخر ولو نشر منهج الأساس الحالي حتى نهاية المرحلة الثانوية لكان أوفق وأيسر على عقول وقدرات الطلاب .

أقول ذلك من واقع اطلاع كثيف على منهج اللغة العربية فعندي أطفال يدرسون في صفوف مختلفة حتى الصف الثامن أساس فضلاً عن إشرافي على عدد من المجالس التربوية في مرحلتي الأساس والثانوي، وأقولها بدون أدنى تردد إنه لو كان خريجو الإعلام ملمين بمنهج العربية الذي يدرس لطلاب الصف الثامن أساس لكان حالهم غير الحال ولربما لم يرسب منهم أحد في امتحان القيد الصحافي، وهذه ليست مشكلتهم بقدر ما هي مشكلة المناهج الدراسية التي تعاني في كل المواد ومشكلة أساليب وطرق التدريس وهذا حديث يطول.

رأيت في دولة الأمارات العربية المتحدة عند إنشاء الجامعة كيف أقاموا دورة تأهيلية مدتها ستة أشهر تهيء الطالب للجامعة، وما أحوجنا للفكرة خاصة في العربية التي يفترض أنها الوسيط الذي مما يسيء إلى الخريج أن يعجز عن التعبير بها كتابة أو حديثاً، وكثير من الدول تهتم بهذا الأمر كالأردن مثلا.

لست أدري هل يحق للجامعات أن تحتفل بتخريج طلابها وتمنحهم شهادات أكاديمية لا يعترف بها في سوق العمل بعد أن نصبت مؤسسات أخرى نفسها قيّماً ووصياً يُعيد تقويم تلك الشهادات ويُصحح الدرجات العلمية الممنوحة ويُرسّب (بتشديد السين) معظم الحاصلين عليها طالباً منهم الرجوع إلى قاعات الدرس من جديد ؟.

لو كنت مكان مدير جامعة الخرطوم مثلاً والتي منحها الشعب السوداني فلذات كبده من حيث التميّز والتفوق لأخضعت نتيجة امتحان القيد الصحافي أو امتحان مهنة القانون أو مزاولة مهنة الطب لتحقيق صارم حتى أصحح الخلل وأجيب عن السؤال لماذا يرسب طالب تخرج في جامعتي في أي من تلك الامتحانات حتى لا يتكرر ذلك الخلل مرة أخرى وذلك ما ينبغي أن تعمد إليه جميع الجامعات.

حدثتني ابنتي التي تخرجت في جامعة الخرطوم (هندسة كهربائية (اتصالات) وأحرزت المرتبة الأولى أنها لم تدرس حرفاً عن الشبكات الحديثة في الاتصالات ولم تتلق شيئاً ولو حرفاً عن الـ( 4G ) أو الـ( 3g ) حتى ولو معلومات عامة وقالت إن زميلاتها في جامعات أخرى (كالسودان مثلاً) درسن عن تلك الشبكات والتطبيقات ولا أتصور أن يتخرج مهندس مدني لا يخضع لتدريب عملي.

هذا ما يدعوني إلى توجيه سؤال إلى وزيرة التعليم العالي بروف سمية أبوكشوة وإلى مديري الجامعات الذين لن يجدوا عذراً بعد رفع العقوبات الأمريكية لتدني مستوى جامعاتهم في المنافسات العالمية أو عدم مواكبتها لنظم ومناهج التعليم المعمول بها في الدول المتقدمة.

إن على جامعاتنا تطوير مناهجها بصورة مستمرة مع متابعة لا تنقطع لما يحدث في الدول الأخرى المتقدمة وينبغي أن توضع الملاحظات القيمة التي أدلى بها دكتور عوض موضع الاهتمام، فقد كنا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نفاخر بأن كل خريجي الخرطوم مثلا ينجحون في امتحان المعادلة، أما الآن فحدث ولا حرج والأمر يسري على جميع النخصصات.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة