تحقيقات وتقارير

الرابع من رمضان .. ذكرى مختلفة

يظل الرابع من رمضان يوماً باقياً في أذهان السودانيين بشكل عام، والإسلاميين على وجه الخصوص ، ففي مساء هذا اليوم الثاني عشر من ديسمبر 1999م الذي تصادف ذكراه اليوم ،ظهر رئيس الجمهورية المشير عمر البشير على التلفزيون القومى بالزى العسكري، وأعلن انتهاء أجل المجلس الوطني الذي كان يرأسه د. حسن الترابي، وعزله من كافة مناصبه الدستورية، كما قرر إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، لمدة ثلاثة أشهر، وتعليق بعض مواد الدستور المتصلة في الأساس بكيفية اختيار الولاة، وشكلت تلك الإجراءات إعلانا رسمياً للمفاصلة في الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، وأصبح حزبين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وتأتي الذكرى (17) للمفاصلة هذا العام والبلاد تشهد متغيرات كثيرة وتقارب بين الوطني والشعبي .

صراع القصر والمنشية
وبعدها أطلق مصلح القصر والمنشية، فالأول هو معسكر السلطة الذي يقوده البشير، والآخر حيث يقطن الترابي، وصار أكثر المعارضين ضراوة لنظام البشير، وجذور الخلاف بين طرفي الحركة الإسلامية يرجعها البعض إلى بداية التسعينات، ومبعثها الاختلاف على إدارة دفة الحكم في البلاد بين الرئيس عمر البشير ورئيس البرلمان والأمين العام للمؤتمر الوطني انذاك الدكتور حسن الترابي ، وهو اختلاف عبر عنه الرئيس البشير بتشبيهه السودان بسفينة تبحر وسط عاصفة هوجاء، تحت قيادة قبطانين متنازعين، بيد أن الطرف الآخر اعتبرها خلافاً فكرياً يتعلق بالحريات والشورى واحترام التنظيم والانصياع للقانون وللدستور.
مفارقة بين الحق والباطل
القيادي بالمؤتمر الشعبي بارود صندول يرى أن تداعيات المفاصلة الشهيرة في الرابع من رمضان أكدت على أن الانقسام بين المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني كان بين مجموعتين الأولى التي أيدت السلطة، والثانية التي ساندت الفكرة، وذهب القيادى في حديثه لـ(آخر لحظة) إلى أن المفارقة طيلة هذه السنوات كانت بين الحق والباطل، ورأى أن الخلاف حول الحريات واللامركزية وحكم الدستور والقانون دفع بإندلاع الثورة في الأقاليم في كل أنحاء البلاد، وتفاقم الخلافات بين البشير والترابي ترتبت عليه قرارات البشير في الثاني عشر من ديسمبر عام 1999، اتبعها في وقت لاحق بقرارات أخرى جمد بموجبها نشاط الترابي كأمين عام للمؤتمر الوطني، ونشاط جميع نوابه، وأضاف لكن المؤتمر الشعبي قدر المصلحة العليا للبلاد ودخل فى الحوار الوطني الذي دعا له البشير برؤية واضحة كسبيل للتغيير، وأوضح بارود لقد صبرنا على الحوار وهو ليس بالأمر السهل، وزاد الآن نحن شركاء في إنفاذ مخرجات الحوار الوطني مع كل الأحزاب وليس المؤتمر الوطني وحده، وزاد مازالت المساحة من الخلافات موجودة .
قطع الطريق
قيادى إسلامى يتبع لجناح المنشية فضل عدم ذكر اسمة قال إن قرارات الرابع من رمضان قصد منها قطع الطريق على الدكتور الترابي أن يمضي قدماً في التعديلات الدستورية التي كان يناقشها البرلمان، والخاصة بتغيير كيفية انتخاب الوالي، وانتقالها من مجلس الولاية ،بترشيح من رئيس الجمهورية إلى عامة الناخبين في الولاية، وإمكانية إعفاء رئيس الجمهورية بواسطة ثلثي أعضاء البرلمان، وأردف: بتعطيل مواد الدستور المتعلقة بانتخاب الولاة تم تغيير وسط الولاة النحازين الى جانب الشيخ، فالقرارات كانت تعني في المقام الأول مواجهة الترابي الذي يستغل موقعه كرئيس للبرلمان وكأمين عام لحزب المؤتمر الوطني في تضييق صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي بدأ يستقل شيئاً فشيئاً عن شيخة الترابي لسلطة الإنقاذ .
هدنة
بينما يرى القيادى بحركة الإصلاح الآن د. أسامة توفيق أن المرارت بين الطرفين مازالت موجودة، وأن مايحدث الآن شكل من أشكال الهدنة، وأوضح أن المفاصلة لم تكن من أجل مباديء بل كانت صراعاً حول السلطة .
قلبنا الصفحة
المحامي والقيادي بالمؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق، أكد أن المفاصلة حدثت حول قضايا محددة طالبنا بها الحكومة، وقلنا لها اذا افترقنا أن نفترق باحسان، ولكنها رفضتت الافتراق بإحسان مظنة منها أننا سنعمل على إسقاط النظام، وأضاف الحكومة عاملت د. الترابي بعنف شديد، ومن هنا تفاقمت المشكلات وأتهم باقصاء كل الأحزاب السياسية، ولذلك حينما قدم المؤتمر الشعبي رؤيتة للحوار الوطني الشامل وافق عليها رئيس الجمهورية وطرحها في مبادرة الوثبة ومن هنا بدأ السودان يشهد مرحلة جديدة وهي مرحلة الحوار، فكان هذا التقارب الذي أفضى إلى هذه المشاركة الرمزية بعد الاتفاق على مخرجات الحوار الوطني، وأتيحت مساحة واسعة من الحريات خلال فترة الحوار للقوى السياسية، وسمح لها بفتح دورها وممارسة نشاطها السياسي، ومضى عبد الرازق بالقول ستظل أهدافنا هي أهدافنا التي افترقنا من أجلها حتى تبلغ تمامها، ولذلك قلبنا الصفحة وأصبح الذي جرى تاريخاً يمثل موضعاً للعبرة والعظة نستشرف بها المستقبل .
أظهرت وجوه عدة
وذهب المحلل السياسي عمر عبدالهادي إلى ناحية أخرى قائلاً أظهرت مفاصلة الاسلاميين في السودان العديد من المواقف التي كانت مواراة طيلة السنوات التي كان الترابي فيها عنصراً أساسياً في حكم الإنقاذ، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، كما أنها كشفت عن معادن بعض الرجال الذين ظلوا لسنوات طويلة يظهرون خلاف ما يبطنون، وأزاحت النقاب عن آخرين كانوا دائماً في الخفاء، وأوحت لجهات معادية بأفكار عديدة للنيل من التنظيم الاسلامي الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب على نظام منتخب، لافتاً إلى أن هناك دولاً فشلت في إخفاء احتفائها بصراع الاسلاميين، وسارعت لإعلان مساندتها لأحد من الطرفين المتخاصمين.

اخر لحظة