هل تذوب الإحباط؟ .. دخول قوى المعارضة معركة الإسهالات
هل تذوب الإحباط؟
دخول قوى المعارضة معركة الإسهالات
دخلت الأحزاب السياسية معركة التصدي للإسهالات المائية الحادة بصورة غير مسبوقة ورفعت من وتيرة تفاعلها مع المواطنين في ظل تقليل الحكومة من خطورة تردي الأوضاع البيئة والصحية بالبلاد والتي أدت الى تفاقم أزمة انتشار المرض وحذرت القوى السياسية من تضاؤل المجهودات الشعبية والحكومية التي وصفتها بالخجولة أمام حجم الكارثة وتمسكت بضرورة إعلان حالة الطوارئ وتسمية المرض باسمه الحقيقي حتى يتسنى لمنظمة الصحة العالمية التدخل والقيام بدورها تجاه مناطق التي تحتاج لتدخل عاجل لا سيما ولاية النيل الأبيض، وبدخول الأحزاب على الخط تكون بذلك قد عملت على تذويب الإحباط التي كانت تنتاب المواطنين من المعارضة والحكومة على حدٍ سواء. فهل تحصد المعارضة ثمار تلاحمها مع الجماهير في ظل تنصل الحكومة عن تحمل مسؤوليتها أم إن جملة الاعتقالات التي يتعرض لها منسوبوها ستحد من نتائج تلك الحملات التوعوية.
دياجير الكارثة :
وأكدت قوى الإجماع الوطني أنها ستبذل ما في وسعها ضمن المنظمات الشعبية والهيئات النقابية ومنظمات المجتمع المدني في العمل على دحر وباء الكوليرا الذي تفشى في البلاد وتقديم التوعية الضرورية اللازمة بمخاطر الوباء وطرق الوقاية والعلاج. في بيان بعنوان “الوطن في دياجير الكارثة” دعت المواطنين لمواجهة ما أسموه النظام الدكتاتوري وحمله للقيام بواجباته ومسؤولياته في تأمين حياة المواطنين والإعلان عن وباء الكوليرا والاستعانة بإمكانيات المنظمات الدولية لتقديم الخدمات الطبية والعلاجية اللازمة وعلى وجه السرعة.
تسييس مسمى المرض :
من جهته وصف الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. علي الحاج قضية الإسهالات المائية وكشف عن تقديم حزبه مذكرة لرئيس الوزراء قبل عشرة أيام عن كيفية التعامل مع الوضع الصحي بالبلاد، وطالب علي الحاج وزير الصحة الاتحادي بالإعلان عن وجود المرض، وقال هذه مسؤوليته بموجب الدستور والقانون، وأضاف: كطبيب ليس هناك مرض اسمه (إسهال مائي) يقتل الناس، وهذه التسمية تسمية سياسية، وأعلن عن أن الشعبي عكف في الفترة الماضية على دراسة الحالات وتوصل لنتائج لم يكشف عنها، ونوه إلى أن العالم الخارجي ومنظمة الصحة العالمية تعرفت على نتائج الفحوصات المعملية التي تكشف عن وجود وباء بالبلاد.
ووجه الدكتور علي الحاج رسالة لأطباء السودان تذكرهم بالمعايير الأخلاقية لمهنة الطب التي تحتم على الطبيب إعلان المرض ولو تم اكتشاف حالة واحدة فقط، مستنكراً بعض التقارير الطبية التي أشارت إلى انتشار المرض في البداية بين مواطنين من جنوب السودان وقال إن الفحوصات أثبتت فيما بعد عدم صحة هذا الادعاء، وتابع: مسؤوليتنا تجاه طلابنا في كليات الطب تحتم علينا تسمية الأشياء بمسمياتها.
وانتقد الأمين العام للشعبي، المستشفيات الموجودة بالعاصمة وقال إنها مجهزة بقاعات ومصاعد كهربائية ولكنها تفتقر لأماكن حجر صحي (كرنتينة) وقال إن (المرض ما عيب، والمرض المعدي معدي) وأشار لوجود بلدان كالهند وتايلند أعلنتا وجود المرض، مما مكنها من تجاوز الأزمة.
الضغط على الحكومة :
وبالمقابل كان الحزب الشيوعي السوداني أعلن قبل أسبوع عن تشكيل لجنة قومية لمحاربة وباء الكوليرا الذي اجتاح مدناً وقرى واسعة من السودان من بينها العاصمة الخرطوم. وطالبت د. آمال جبر الله عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بالضغط على الحكومة لتحمل مسوؤلياتها لإعلان كارثة الكوليرا.
واعتبرت آمال وصف الحكومة للمرض بأنه إسهال مائي استهتاراً. وانتقدت رفض بعض المستشفيات بالخرطوم استقبال حالات مصابة بالكوليرا وقالت إن ما حدث من بعض المستشفيات ممنوع قانوناً. وأكدت أن التصدي للكوليرا يتطلب إرادة سياسية من الحكومة والمعارضة وزيادة ميزانية الصحة فضلاً إعلان الوباء بالبلاد لتلقي المساعدات. وأعربت عن استحالة محاربة الكوليرا ما لم تحل مشكل مياه الشرب.
توعية واعتقالات :
وكان حزب المؤتمر السوداني أطلق حملة للتوعية بوباء الكوليرا غطت محليات ولاية الخرطوم السبع. وقال نائب رئيس الحزب ـ حزب المؤتمر السوداني ـ خالد عمر إن الحملة شملت تنظيم مخاطبات وتصميم بوسترات التوعية الجدارية وتوزيع مطبقات للحد من انتشار الكوليرا، وانتقد خالد اعتقال ثلاثة من أعضاء حزب المؤتمر السوداني بالخرطوم الذين أطلق سراحهم لاحقاً، على خلفية تنظيم فعاليات للتوعية بوباء الكوليرا بالحاج يوسف وأوضح أن المعتقلين هم الفريق المكلف بفعاليات التوعية بوباء الكوليرا وسط الجمهور. واعتبر خالد الاعتقالات انتهاكاً صريحاً لدستور البلاد وإهداراً لحقوق الإنسان ومحاولة للتغطية على تفشي المرض.
ناقوس الخطر :
ودق حزب التحرير ناقوس الخطر وقال في بيان له بلغت حدة الإصابة بالإسهالات في السودان مبلغاً يدعو إلى دق ناقوس الخطر وحذر الحكومة من ما وصفه التساهل بحقوق الناس الواجبة عليها من توفير مياه الشرب النقية، وإصلاح البيئة، وتوفير العلاج بالمجان، وأكد أن ذلك من أبسط ما توفره الدول المحترمة لرعاياها مقارنة بما تجنيه منهم من ضرائب وجبايات وصفها بالمحرمة ودلل حزب التحرير على خطورة الأوضاع بارتفاع حجم المصابين في ولاية النيل الأبيض والتي بلغت (4188) حالة، منها 75 حالة وفاة. وفي ولاية نهر النيل شهدت منطقة الجريف ظهور 157 حالة. ولفت البيان الى وزير الصحة بالنيل الأبيض أقر إلى أن تلوث المياه يعتبر في معظم الأحيان هو السبب الأول للإسهالات المائية.
واعتبر البيان أنَّ رعاية صحة الناس من الواجبات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل أفراد الرعية.
حوارات بالأحياء:
وعلى الرغم من تعرض كوادر حزب البعث العربي الاشتراكي للاعتقالات الا أن حملات شباب الحزب لمكافحة الإسهالات المائية ما زالت متواصلة واشتملت على رش الذباب والتوعية الصحية للمواطن، وأدارت الحملات حوارات مع المواطنين بالأحياء في الإرشاد الصحي وحثتهم على ضرورة التعامل بوعي كبير مع هذا الوباء وكيفية الوقاية والعلاج
مبادرات خجولة:
وكانت أمانة المنظمات بالاتحاد الوطني لشباب ولاية الخرطوم أطلقت مبادرة خجولة للتثقيف الصحي عن الإسهالات المائية لا ترتقي لحجم الحزب الحاكم وإمكانياته للتصدي للمرض تحت شعار عشانك يا وطن وبدأت الحملة بمحلية جبل أولياء، لتغطي كل محليات الولاية، وأعلنت الأمانة عن جاهزية (2000) شاب وشابة لتدشين مبادرة التثقيف الصحي عن الإسهالات المائية.
الصحة تنفي:
وكان وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة نفى تستر وزارة الصحة الاتحادية على ظهور الإسهالات المائية، الاسم الحكومي البديل للكوليرا. وأكد الوزير الذي كان يرد على مسألة مستعجلة تقدم بها النائب المستقل أحمد صباح الخير حول الكوليرا سرعة استجابة الأطباء لاحتواء الموقف منذ البداية إلى جانب فرق الإسناد بالولايات. وقال إن هناك استنفاراً واسعاً لجميع المواطنين بالمساجد والأحياء إلى جانب القوات المسلحة من أجل التوعية والإرشاد. وأضاف أن الإجراءات التي تمت أظهرت نتائج إيجابية لمكافحة الإسهالات وأكد أبو قردة أن ولاية النيل الأبيض من أكبر الولايات التي بها حالات الإسهالات.
التأثيرات الاقتصادية :
قطع الخبير الاقتصادي محمد الناير بأن الإسهالات المائية لم تصل مرحلة الوباء وشدد على ضرورة بذل المجهودات الحكومية لمحاصرة المرض حتى لا ترتفع تكلفة العلاج ونوه الى أهمية تضافر الجهود المجتمعية بالتنسيق مع الجهات الرسمية للحد من انتشار المرض لأن الوقاية خير من العلاج ونوه إلى رفع وتيرة التثقيف الصحي ونشر الوعي وسط المواطنين لتفادي انتشاره
وأكد أن الآثار الاقتصادية المترتبة على انتشار الوباء حال وقوعه تتمثل في فقدان الأرواح وارتفاع فاتورة العلاج ونفى وجود أي علاقة بين إعلان الوباء وتأثيراته على الاقتصاد وإنما يؤثر على العنصر البشري وعلى حركة المواطنين من السودان وخارجه بصورة كبيرة وتابع أن الإعلان عن الوباء ليس بالأمر الهين لأنه يعلن محلياً ثم يأتي دور المنظمات الدولية.
تقصير حكومي :
من جهته انتقد الخبير الاقتصادي كمال كرار التقصير الحكومي تجاه القضايا الصحيه منذ ظهور المرض ببورتسودان وانتقاله لولايتي سنار والنيل الأزرق في العام الماضي ثم أخيراً الى النيل الأبيض والخرطوم، وقال كرار لـ(الجريدة) إن الحكومة لم تبذل أي مجهودات لمكافحة الإسهالات المائية واستند على ذلك برفض بعض المستشفيات الخاصة والعامة استقبال المرضى، واعتبره سلوكاً غير مقبول في وقت كان ينبغي عليها توفير عنابر العزل، وانتقد مسلك الاعتقالات التي طالت عدداً من المتطوعين في مجال التوعية والتثقيف عبر الملصقات والحملات الدعائية والتنويرية .
وأضاف أن الشيوعي وجه القوى السياسية والمجتمعية لبذل جهد شعبي وسياسي للتصدي للمرض وأشار لوجود الحزب بكافة المناطق الموبوءة بالمرض وذلك عبر اللجان الشعبية التي تم تشكيلها بجانب قيام ندوات توعوية. ونوه إلى توزيع محاليل وريدية وحبوب للوقاية من الكوليرا فضلاً عن مشاركات للحزب لدعم المصابين بالنيل الأبيض من خلال تسليم الأدوية لجهات مسؤولة بالمستشفيات ولجان مجتمعية بالجزيرة أبا، وعاد ليؤكد أن المجهودات الشعبية غير كافية لدرء انتشار الوباء الذي وجد طريقه لـ11 ولاية، وأضاف: كان يجب على الحكومة إعلان الوباء لأن منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية لديها استعداد أكبر، وأرجع تحفظ الحكومة لإعلان الوباء لأن الخطوة تشكل إدانة لها بسبب ضعف الصرف على الصحة .
وفي السياق أكد كرار أن الآثار الاقتصادية لإعلان الوباء تتمثل في الحد من الصادرات الغذائية وحظر بعض الواردات بجانب تأثيره على الحركة التجارية والتنقل وقال: يجب على الحكومة ألا تنظر للمسألة بهذا المعيار في ظل استمرار فقدان الأرواح.
سعاد الخضر ـ ندى رمضان
صحيفة الجريدة