حفلات زفاف “رقمية” تحقق رواجا على مواقع التواصل الاجتماعي
تعبر حفلات الزفاف بشكل أكثر وضوحا عما يُعرف بثقافة التقاط الصور الذاتية “السيلفي”، وخاصة مع ظهور العديد من الشركات المتخصصة في تحقيق الانتشار الواسع لهذه الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، والتربح من ذلك.
بدأت العديد من الشركات حاليا في تحقيق أرباح من خلال توفير خدمات متخصصة في إعداد وصياغة “هاشتاغات” حفلات الزفاف، وفي توفير خبراء يقدمون العون للعروسين في التعامل مع نشر صور الزفاف أو مقاطعه المصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل احترافي.
لم تلجأ جيسيكا لايمان (33 عاماً) – وهي بريطانية تعمل في نيويورك – لنشر صورة تقليدية على حسابها على موقع “إنستغرام”، لتعلن عن خطبتها من المخرج السينمائي جيسي أش. لكنها نشرت صور الخطبة من خلال “هاشتاغ” #JessTheTwoOfUs، والذي حقق انتشارا واسعا.
كما استخدمت نفس الهاشتاغ وهي تنشر صوراً من داخل حفل أقامته صديقاتها في لندن خلال مايو/أيار الماضي، بمناسبة قرب توديعها عالم العزوبية.
ليس ذلك فحسب، بل تعتزم لايمان – التي تعمل خبيرة استراتيجية في مجال الترويج للعلامات التجارية – أن تشجع ضيوف حفل زفافها المقرر إقامته في متنزه بمدينة نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل، على استخدام نفس الهاشتاغ عندما ينشرون صوراً ومقاطع مصورة من الحفل على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول لايمان إنها “أعملت فكرها بالقطع في ابتكار هذا الهاشتاغ”، مشيرة إلى أن الهاشتاغ المتميز لحفل الزفاف يوضح “الكثير بشأن طبيعة شخصية العروسين. فهو سيدفع للضحك والابتسام، ويسكن في الذاكرة. وإذا استطعت فهم التورية التي ينطوي عليها فستكون أنت الرابح”.
وعلى أي حال، ففي ظل وجود نحو 700 مليون مستخدمٍ نشط لموقع “إنيستغرام” في مختلف أنحاء العالم، وأكثر من مليار شخص يتصفحون موقع “فيسبوك” يومياً، ليس من المستغرب أن يضع الشبان العامل المتعلق بمسألة التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي في حسبانهم خلال التخطيط لحفلات زفافهم. ولذا نرى الآن أن هناك قطاعاً اقتصادياً – محدوداً ولكنه متنامٍ – بدأ في جني أرباحٍ من هذا التوجه.
“هاشتاغ” يجمعنا
ومن بين العاملين في هذا المجال، ميريل واكيم، وهي أحد المسؤولين عن التحرير في مجلة “لوس انجليس” الأمريكية. ففي عام 2016، أسست واكيم شركة حملت اسم “هابيلي إيفر هاشتاغد”، وذلك بعدما طلب منها أصدقاؤها أن تبتكر لكل منهم هاشتاغات ذات طابع شخصي لاستخدامها في حفلات زفافهم.
تحظى الصور الذاتية “سيلفي” باهتمام كبير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي
وتشكل هذه الهاشتاغات في الأساس أداة لما يُعرف بـ”البيانات الوصفية”. وتُستخدم لمساعدة المتصفحين على العثور على موضوعٍ بعينه على مواقع مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام” وغيرها من المنصات الرقمية.
وتتقاضى واكيم حالياً 40 دولاراً مقابل كل هاشتاغ تعده خصيصاً لأحد عملائها، أو تحصل على 85 دولاراً لكل ثلاثة هاشتاغات. ووصل حد إقبال العملاء عليها إلى درجة أن قائمة الانتظار لديها لا تقل في أي وقت من الأوقات عن نحو 51 عميلاً.
وفي مارس/آذار من العام الماضي، أطلقت مصممة غرافيك تُدعى آلي برتلسون (29 عاماً) خدمةً على موقع Etsy للتجارة الإلكترونية، تحمل اسم “@Geofilters ويمكن استخدامها على تطبيق “سناب شات”.
وتتوافر عبر هذه الخدمة أطرٌ خاصة يمكن لمستخدمي التطبيق وضعها على الطرف العلوي من صورهم حينما ينشرونها من مناسبة معينة.
ورغم أن بوسع أي شخص ابتكار أطرِ مثل هذه؛ فإن برتلسون تصمم مُرشحاتِ ضوئيةً تُعد بحسب الطلب للمقبلين على الزواج، ممن يفتقرون إما للمهارات أو للوقت اللازم، لإعداد مثل هذه المرشحات والأطر.
ومقابل 10 دولارات أمريكية للمُرَشِح الواحد، يمكن للعروسين أن يوفروا لضيوف حفل زفافهما مجموعة من الأطر المُعدة خصيصاً للحفل، وتشجيعهم على استخدامها في الصور أو المقاطع المصورة التي يلتقطونها خلال المشاركة في هذه المناسبة.
لكن إذا كان الأشخاص المدعوون لحفلك سينشرون صوراً أو مقاطع مصورة عبر “فيسبوك” أو “إنستغرام” خلال مشاركتهم في هذه المناسبة في كل الأحوال؛ فلِمَ لا نفسح المجال أمام تمكينهم من بث مثل هذه المضامين بشكل مستمر على جدارٍ افتراضيٍ رقميٍ؟
وفي هذا الإطار، أُسِست في عام 2014 شركة تحمل اسم “ويدنغ هاشتاغ وال” في العاصمة الهولندية أمستردام، وذلك على يد رجليّ الأعمال يوسف الدرديري وبيم ستيورمان.
تقدم خدمة “جيوفيلترز” لمستخدمها إمكانية إضافة رسومٍ “غرافيك” للصور التي تُنشر على تطبيق “سناب شات” لتوضيح المكان الذي التُقِطت فيه
وتوفر هذه الشركة لعملائهما إمكانية تخصيص “جدارٍ افتراضيٍ” مقابل 79 دولاراً. وفي هذه الحالة، يحصل العميل على عنوان موقع إلكتروني خاص به، تُعرض عليه بشكل مباشر ومُحدث باستمرار، الصور والمقاطع المصورة التي يُحَمِّلُها المدعوون لزفافٍ ما، والتي ترتبط جميعها بهاشتاغ معين مخصص للحفل.
وسيتيح ذلك للغائبين عن الحفل فرصة المشاركة فيه بشكل ما، كما سيجعل بوسع الحاضرين تبادل الصور والمقاطع بشكل فوري.
بجانب هذا وذاك، ظهرت شركات توفر للمقبلين على تنظيم حفلات زفافهم إمكانية الاستعانة بأشخاص متخصصين في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لتقديم المساعدة فيما يتعلق بالتقاط الصور والمقاطع المصورة ونشرها كذلك خلال العرس.
ففي عام 2015، أُسست شركة ناشئة في نيويورك حملت اسم “مايد أوف سوشيال”، على يد اثنين من الصحفيين البارزين السابقين في مجلة “ذا نوت” المعنية بالتفاصيل الخاصة بالتخطيط للأعراس. وتصف هذه الشركة نفسها بأنها “فريقك للعلاقات العامة في يوم زفافك”.
وتقدم “مايد أوف سوشيال” لعملائها عدة خدمات، تبدأ من باقة تبلغ تكاليفها 500 دولار، يحصل العميل في إطارها على هاشتاغ مخصص لحفل زفافه، ورسالة مرفقة، ويبث على حساب الشركة على “إنستغرام”، بجانب نصائح حول كيفية تعزيز احتمالات مشاركة المتصفحين للصور والمقاطع الخاصة بالحفل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما أكثر الباقات تكلفة فهي تلك الباقة الشاملة التي تقدمها الشركة، والتي تبلغ تكاليفها آلاف الدولارات، وتستهدف دفع أشخاص مؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي – لهم عددٌ هائل من المتابعين – للمشاركة في الترويج لذلك الحفل.
وتشمل الخدمات المُدرجة في إطار هذه الباقة إيفاد فريق من المساعدين إلى مكان الحفل لمد يد العون لك ولعروسك فيما يتعلق بسبل التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، بجانب وضع استراتيجية للتعامل مع وسائل الإعلام، فيما يتعلق بأي علامات تجارية قد تكون لديك شراكة معها يوم الزفاف.
كما سيدير فريق من الشركة حساباتك وحسابات عروسك على “إنستغرام”، و”سناب شات” فيما يتعلق بنشر الصور والمقاطع الخاصة بذلك اليوم. بل إن “مايد أوف سوشيال” يمكنها أن تؤمن لك تغطية إعلامية لحفلك كذلك.
هدفٌ أصعب من اللازم؟
إذا كنت لست من المستخدمين المتحمسين لوسائل التواصل الاجتماعي، قد يبدو كل ما سبق أمراً مبالغاً فيه بقدرٍ ما بالنسبة لك. غير أن “سكان العالم الرقمي” يرون أن حساباتهم الإلكترونية لا تشكل فقط امتداداً لهويتهم وحياتهم الشخصية، بل وفرصة كذلك لتدعيم أنشطتهم وجهودهم على الصعيدين المهني والإبداعي.
لا يوجد ما يجمع الحاضرين لمناسبة ما أكثر من هاشتاغ مُعد خصيصاً لهذه المناسبة، وهي هاشتاغات تشكل أدوات لما يُعرف بـ”البيانات الوصفية”
ويمكن هنا الإشارة إلى رأي جين توينغي، وهي مؤلفة كتاب “جينراشين مي”، وكذلك كتاب “آي جين” الذي سيصدر قريبا، وتقول إن الحرص على دور وسائل التواصل الاجتماعي في المناسبات الاجتماعية يشبه بالنسبة للمولعين بهذه الوسائل “مد البساط الأحمر بالنسبة للأشخاص العاديين”.
وتضيف بالقول إن مواليد “جيل الألفية” – وهم من ولِدوا بين بداية ثمانينيات القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين – يتسمون بطابعٍ فردي بشدة ويشعرون بارتياحٍ أكبر إذا ما كانوا موضع اهتمامٍ مُقارنةً بما كان عليه حال أبناء الأجيال السابقة لهم حيال الأمر ذاته في المرحلة العمرية نفسها.
وترى توينغي أن حفلات الزفاف من بين المناسبات التي يكون من المقبول فيها أن يجذب المرء الانتباه إلى نفسه. لكن اللافت أن تكاليف الأعراس تتزايد باطراد في المتوسط، رغم أن العديد من أبناء هذا الجيل أقل حماسةً لإتمام مراسم ارتباطهم في ظل الطقوس التقليدية ذاتها التي اختارها أقرانهم في الماضي.
وربما يتمثل أحد التفسيرات المحتملة لذلك، في نهم وسائل التواصل الاجتماعي المستمر لتنظيم مناسباتٍ تشهد التقاطاً لصورٍ ومقاطع مصورة، وكذلك ما تشجع عليه هذه الوسائل من أن يميل المرء إلى الإقدام على ممارسات تُشعره بالتفوق والتميز عمن حوله.
وبناء على دراسات أُجريت عام 2016 من قبل موقعيّ “هيتشد” و”ذا نوت” على الترتيب، تجاوزت تكاليف حفل الزفاف في المملكة المتحدة 25 ألف جنيه إسترليني (31.8 ألف دولار أمريكي)، كما فاقت في الولايات المتحدة 35 ألف دولار.
هل سيكون الزفاف ناقصا إذا لم ينشر أحدٌ صوراً له على “إنستغرام” مع أصدقائه في حفل الزفاف؟
وإذا عدنا إلى جيسيكا لايمان، فسنجد أنها تُقر بأن تصفح موقعٍ مثل Pinterest – وهو من بين المواقع التي تتضمن سجلات للصور أو القصاصات المتعلقة بأمورٍ متنوعة – وذلك بهدف الاطلاع على أفكارٍ جديدة فيما يخص حفلات الزفاف، ربما يؤدي إلى خلق توقعات غير واقعية، قد يكون من الصعب تجسيدها عملياً لدواعٍ مالية.
وتقول إن العروس تصبح في مثل هذه الحالة مهووسةً بأفكار مثل “لا بد أن يصبح (مكان حفل) زفافي أشبه بذلك المكان الفسيح الرائع المزدان بالشموع والزهور والنجوم المعلقة من السقف، بينما أُحمل فوق بساط سحري”.
وتضيف لايمان قائلة: “عليك أن تتذكر أن غالبية هذه الصور (التي تُنشر على مواقع مثل Pinterest وغيره) قد صُممت بغرض نشرها على شبكة الإنترنت. من اليسير أن تصبح مُنغمساً ومتعلقاً بأشياء ليست مهمة بذاك القدر الكبير”.
ومع ذلك، فهي تريد بالقطع أن تخرج من حفل زفافها تحت قوسٍ من الألعاب النارية المتألقة التي يحملها الحاضرون عالياً. وقالت في هذا السياق: “أحياناً ما تقوم بأشياء مجهزة ومعدة مسبقاً ليس فقط لكي تجربها” بل للاعتبارات الخاصة بالبهاء الذي تبدو عليه أيضاً.
ضغوطٌ من أجل الإتقان والكمال
لكن هل تؤدي كل هذه الأساليب والمعالجات إلى خلق بيئة يصبح العروسان في إطارها منساقيّن للاهتمام بالتقاط صورٍ ومقاطع لتوثيق لحظةٍ، لا يكادان يعيشانها أو يشعران بها بالفعل؟
في كتابها “وحدنا ونحن معاً”، ترى شيري تركِل أستاذ العلوم الاجتماعية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا أن التشتت والإلهاء اللذين يسببهما استخدام الهواتف، يمكن أن يمثلا حاجزاً يحول دون إضفاء طابعٍ حميميٍ على المواقف الاجتماعية، وهو ما يجعل الصلات فيما بيننا أكثر ضحالة وسطحية، ويزيد من شعور كل منّا بالعزلة.
وبنظر تركِل؛ طالما كانت هناك على مر العقود صور زفاف مُعدة لكي تظهر في أبهى صورة، ولكن الأمر الآن يختلف – كما تقول – فثمة “العديد والعديد من الصور التي يسعى أصحابها لأن تكون ذات طابع خاص، وكذلك الكثير للغاية من اللحظات التي يسبر البشر غورها وربما سيتشاركونها ويصدرون أحكاماً عليها، ما يزيد الضغوط (التي يتعرض لها المرء) للوصول إلى حد الكمال”.
الوقوف أمام الكاميرات في يوم الزفاف لا يشكل أمراً جديداً، لكن رسم ملامح معينة على الوجه ونشر الصور على الإنترنت وظهور المنصات الرقمية أضاف بعداً جديداً للأمر.
وتخلص تركِل للقول: “يشكل هذا مفارقتنا الجديدة: إننا نتحدث عن الأصالة وتطابق المظهر مع المخبر ولكننا نمارس التصحيح الذاتي”.
وتتوقع تركِل أن نشهد ظهور حركة مضادة متنامية القوة لإقامة حفلات زفاف لا يُسمح بتشغيل الأجهزة الإلكترونية فيها. لكنها لا ترى في الوقت نفسه ضيراً في حث حاضري الأعراس على أن يُرفقوا ما ينشرونه على الإنترنت بخصوص الحفل من خلال هاشتاغات بعينها، وذلك إذا كانوا سيستخدمون هواتفهم في كل الأحوال.
أما لايمان – العروس المقبلة – فقد وضعت مثل هذه الإيجابيات والسلبيات في حسبانها. ففي الحفل الخاص بها، ستشجع الحاضرين على التقاط الصور عبر إقامة كشك للتصوير مُزود بعصي التقاط الصور الذاتية، وكذلك بأدوات التنكر والإكسسوار مثل القبعات والشوارب المستعارة وغيرها، بجانب كاميرات تلتقط صوراً فورية لمن يريدون الحصول دون إبطاء على دليل ماديٍ يُذكّرهم بهذه اللحظات.
كما ستضع لايمان الهاشتاغ الذي أطلقته منذ إعلان الخطوبة على شاشة عرض في المكان كتذكيرٍ به.
وتستطرد قائلةً إن “مما يبدد بعض الضغوط بحق” أن يعلم المرء أن أصدقاءه سيلتقطون صوراً للحظات متنوعة وعديدة، من يومٍ سيطويه الزمن بسرعة على الأرجح.
وفي واقع الأمر، تتطلع لايمان إلى أن تتصفح في اليوم التالي للعرس الصور التي جرى التقاطها فيه، لترى زوايا التصوير التي اختارها الحاضرون، وربما لتكتشف بعض “الجواهر الدفينة” بين الصور.
كما قد تنتقي لايمان في هذا الصباح – وبعناية شديدة – صورة أو اثنتين لنشرها على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لكي يتسنى لمتابعيها رؤيتها.
رغم ذلك، فهي تعتزم أن تطلب من ضيوفها إغلاق الوسائط الإلكترونية الخاصة بهم – مثل الهواتف الذكية وغيرها – خلال المراسم الفعلية للزفاف، كما أنها لن تحمل هي نفسها هاتفاً في ذلك اليوم.
وتقول لايمان: “عليك رسم الخط والحدود هنا، فالناس يقولون إن الوقت في يوم زفافك يمضي بسرعة
حقاً، وأنت تريد أن تستمتع بأقصى قدرٍ ممكن منه، في التو واللحظة، وبأن تكون حاضراً”، بكل معنى الكلمة فيه.
وتشير إلى أن ذلك سيكون صعباً إذا كنت عاكفاً على استخدام هاتفك طوال الوقت.
bbc