خواطر حول (قرآن) الشيطان عبدالواحد (2)
كنا قد ختمنا مقالنا بالأمس حول التباينات الكبيرة بين تصرفات الأفراد في تعاملهم مع ذات الموقف بالنظر إلى أن كلاً منهم يصدر عن شخصية مختلفة من حيث الحدة والعنف أو السهولة والورقة المركوزة في جينات كل شخص على حده وكذلك من حيث الثقافة والفكر والمؤثرات البيئية ضاربين مثلاً بالماركسية التي تثير عوامل الحقد الطبقي القائم على الغل والحسد بينما يقتل الإسلام تلك النزعات الشريرة بغرس قيم التعايش والتكافل بين أفراد المجتمع وتجريم التحاسد والتباغض.
بالله عليكم ما الذي يجعل شخصاً معدماً يعاني أهله من شظف العيش وانعدام الخدمات وتقصير الدولة في حقه وحق أهله يلوذ بالصبر الجميل ويلتمس العذر أو ربما ،إذا طفح به الكيل ، يغضب ويطالب من قصروا في حقه وأهله بإنصافه لكنه لا يفكر البتة في التمرد وحمل السلاح بينما تجد آخر من بيئة وثقافة مختلفة ينفجر غضباً انفعالاً بذات الظروف التي يعايشها الشخص الآخر الصابر المحتسب ولا يفكر إلا في الثأر والقتل والتدمير وأخذ ما يعتبره حقه أو حق الآخرين بيده ويصور له شيطانه أنه مفوض بل أنه رسول العناية الإلهية لكي يقاتل بالسنان فيقتل ويخرب ويدمر في سبيل انتزاع حقوق من يظن أنهم محرومون (بعث) لانقاذهم؟.
نعم ، كل من حملوا السلاح في دارفور فعلوا ما فعل عبدالواحد لكنهم لم يبلغوا مبلغه ويصابوا بطيشه وتطرفه الذي أشرنا إلى بعض تجلياته .. مثلاً جبريل ومناوي هل فعلاً فعل الشيطان عبدالواحد؟! بالطبع لا ، فهم أفضل منه وأعقل ..لكن دعونا نقارن كذلك (العاقلين) جبريل ومناوي المتمترسان حتى اليوم بالبندقية بالأكثر عقلاً وحكمة وورعاً (أبو بكر حامد وسليمان جاموس ودبجو) الذين رجعوا إلى حضن الوطن بعد أن وضعوا السلاح وأعلنوا أنهم لن يعودوا إليه مرة أخرى مهما حدث بعد أن تعلموا دروساً قاسية جعلتهم يقولون أنهم لو استقبلوا من امرهم ما استدبروا لما رفعوا السلاح وتسببوا في موت شخص واحد ناهيك عن آلاف أو تشريد طفل أو امراة أو تدمير منشأة ناهيك عن تخريب وطن نزف حتى أشرف على الموت؟.
دعونا كذلك نتأمل تجارب دول أخرى ثار بعض أبنائها لفصل إقليمهم الذي ظنوا أنه محروم مضطهد ..في جنوب السودان فعلوا ذات الشيء لفصل بلادهم التي توهموا أنها محتلة ومستعمرة ..ثوار الباسك في إسبانيا ..التاميل في سريلانكا.. بمجرد أن اقتنعوا أن طريق الدم والدمار ليس مفيداً ألقوا السلاح .. فعلوا ذلك رغم أنهم قاتلوا من أجل فصل إقليم محروم وليس تمرداً داخل ذات الدولة وفي إقليم غير قابل للانفصال كما فعل متمردو دارفور الذين دمروا بلادهم وخربوا منشآتها وقتلوا وشردوا مواطنيهم ونساءهم وأطفالهم.
نماذج متنوعة من البشر تختلف في درجة تفاعلها مع ما تعتبره تقصيراً في حقها أو حق من تدافع عنهم لكن أقربهم إلى رضوان ربهم وإلى إسعاد شعوبهم وأوطانهم من يحتكمون إلى القيم العليا التي تشمل الصبر والعفو وقهر النفس الأمارة بالسوء والابتعاد عن غل النفوس واحقادها فما زاد عبد بعفو إلا عزاً ولا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراما.ً
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة