غازي سليمان.. سياسي بلا مساحيق
برحيل الأستاذ غازي محمد أحمد سليمان المحامي يختفي أحد أبرز النجوم اللامعة في سماء المنابر السياسية في السودان، غازي صاحب منهج المباشرة والوضوح في ممارسة السياسة والتعبير عن الرأي والموقف، وهو السياسي السوداني الوحيد الذي لا يمتلك علبة مكياج لمفرداته وتعابيره وآرائه التي يقولها، غض النظر عن المكان والزمان والمقام الذي يتحدث فيه، هو هكذا بطقس نفسي واحد في صالونه أو مكتبه أو مخاطبا حشدا من المحامين أو متحدثا في ندوة طلابية أو ضيفا على برنامج تلفزيوني..
غازي هو غازي بطعم واحد وأسلوب لا يغيره إطلاقا، يختلف معك ولكن لا يعاديك، ولو عاداك غازي سليمان فأنت على الأقل في أمان من الغدر والتآمر..
هو مؤسس لمدرسة الخطابة المسرحية الجادة في الساحة السياسية في السودان، لكنه وكما يقول عن نفسه لا يعرف التمثيل ولم يمارس التمثيل في حياته..
بقدر ما أزعج غازي أجهزة الأمن والشرطة بنشاطاته المناهضة لسياسات النظام منذ نهاية التسعينيات وحتى توقيع اتفاقية السلام وهو ينادي باسترداد الديموقراطية ويقود تجمع المحامين الديموقراطيين في صولات وجولات بينه وبين الراحل فتحي خليل كانت ملء السمع والبصر في أصعب مراحل الإنقاذ لكنه عاد بعد اتفاقية السلام بقناعات مبدئية جهر بها بنفس إيقاع جهره بمواقفه المعارضة وتبنى هذا الموقف بقوة برغم سيل الاتهامات والهجوم النقدي الذي واجهه من رفقاء دربه والتي لم تغير شيئا في مواقف غازي سليمان وقناعاته.
فلم يجد خصوم غازي سوى أن يراهنوا على طريقة أدائه في المنابر وأسلوبه الخاص في التعبير عن الرأي والموقف فوصفوه بأنه مهرج..
لم يكن الراحل غازي سليمان مهرجا لكنه كان متطرفا في صدقه وتلقائيته في هذا الزمان المزيف.. كان وجه غازي السياسي يخلو من مساحيق (التاكتيكات) والتجميل.. يقول ما يريد أن يقوله دون اهتمام كبير بـ(منظر) موقفه ودرجة تناسبه مع الحالة حسب ما يظن المتجملون..
غازي من الشخصيات التي لا تكاد تستطيع التوقع لما سيقوله أو ما سيفعله أثناء استماعك له فما في قلبه يخرج على لسانه دون العبور بنقاط التفتيش.. والتأريخ يحفظ لغازي سليمان مواقف متفردة مثل موقفه من إعدام محمود محمد طه..
وغازي كان هو المحامي العام للمظلومين والمحالين للصالح العام وكل من يلجأ لغازي سليمان بحق ضائع لمساعدته حتى في القضايا الخاصة فمكتبه مفتوح (للغاشي والماشي) بل للجميع وقلبه مشرع.
هذا هو غازي سليمان السياسي السوداني الأصيل الذي لم يجرب لا معارضة الفنادق ومعاقرة البنادق حتى إعجابه بجون قرنق كان من مقر إقامته هنا بالخرطوم (2).. وكاذب من يحاول تحقير دوره في توسيع سقف الحريات؛ فقد ناطح السقف حتى تصدع وارتفع بشرف وقوة ثم عاد بقناعة حقيقية صادقة يتبنى مواقفه الجديدة دون أن ينتظر مكرمة من سلطان أو منصبا أو جاها، فالرجل كان يعيش مستور الحال بل ثريا غنيا عن التدني للمال العام أو اللهث خلف منصب أو سلطة..
رحمة الله عليك أستاذ غازي سليمان فأنت السياسي الذي كنا نشعر حين نستمع إليه بأن الدنيا بخير.
[/JUSTIFY] جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي