لا تكبس المعدة وتترك الأمر للصيدلية
السمنة هي أكبر خطر يواجه البشرية خلال العقدين القادمين، فسبب وفرة وسائل الراحة والرفاهية تنوعت عينات الطعام ووسائل إعداده، وصار الناس أقل حركة وأقل ميلاً إلى ممارسة الرياضة، وإلى ما قبل عشرين سنة كانت البدانة متفشية فقط في أوساط الشبعانين أي الأغنياء، ولكن ظهور الوجبات السريعة ذات الطعم اللذيذ والمحتوى الركيك ذي السعرات الحرارية العالية، جعل البدانة وباء عامًا في معظم مدن العالم، ومن غرائب الطباع البشرية أن مجموعة ماكدونالدس للوجبات السريعة طرحت قبل أعوام سندويتشات »حمية« يشكل الخضار معظم محتوياتها مع عدم استخدام زيت القلي في اللحم، وكان الإقبال على هذه السندويتشات ضعيفا للغاية مما اضطر ماكدونالدس إلى التوقف عن بيعها.
والكل يعرف أن أفضل وسيلة لعدم زيادة الوزن هي عدم الإكثار من الأكل، وانتقاء الأكل المتنوع العناصر الغذائية بعناية وممارسة قدر من الرياضة، وهي أشياء تسبب ضيقًا لكثيرين، فالأكل »متعة«، وإخضاعه لحسابات اللوغريثمات الدقيقة يفقده عنصر الإمتاع: هذه فيها 126 سعرة حرارية، وتلك بها زيوت مهدرجة!! والرياضة نقيض »الراحة«، فالإنسان لا يستطيع أن يتريض إلا في وقت فراغه، وفي الحياة المعاصرة فإن وقت الفراغ يكفي بالكاد لأخذ قسط من الراحة، ومن ثم كان طبيعيًا أن تتسابق شركات الأدوية لإنتاج عقار يسمح للناس بأن يأكلوا ما تشتهيه أنفسهم، من دون أن يتحولوا إلى دببة.
بعد الأكل تتحول الكاربوهيدرات )النشويات من خبز وبسكويت ومكرونة ورز إلخ( إلى جلوكوز يوفر احتياجات الجسم الآنية من الطاقة، وما يفيض منها عن حاجة الجسم يتحول إلى شحم، ولهذا ترى شخصا له سنام بالأمام والأجناب، بسبب تراكم الدهون، وهو نفس ما يحدث للبروتينات الزائدة عن حاجة الجسم، ومن ثم بدأ التفكير في عقار يمنع تراكم الدهون في الجسم، وقبل ألفي سنة توصل الأرستقراطيون الرومانيون إلى طريقة علمية للتخلص من الشحم فقد كانو يفتكون على الموائد بالعجول والجواميس ثم يخرج كل واحد من جيبه ريشة نعام جميلة ويضعها في حلقه ويتقيأ!! وقبل سنوات قامت شركة روش بتسويق عقار زينيكال يمنع امتصاص الدهون في الجهاز الهضمي، ولكن بعض من يبحبحون في تناول الشحوم، ويتركون الأمر برمته لزينيكال، يتعرضون لمواقف بايخة، لأن فائض الدهون يتسرب من أجسامهم عبر الفتحة السفلية في الجسم، ولا أظن أن عاقلاً يحبذ أن يراه الناس وهو يرشح دهنًا من مؤخرته، لأنه وضع كل ثقته في عقار كيميائي! والمشكلة هي أن الكثير منا يمارس عادات غذائية خاطئة عامدًا، ثم يستعين بأدوية كيميائية لتصحيح الخطأ، فتجد شخصًا مصابًا بالتهاب حاد في المصران يأكل الشطة والفلفل الحار ثم يتناول كوكتيلا من العقاقير لإسكات انتفاضة القولون، وهناك من يعاني من الحموضة أو حتى القرحة ويأكل أشياء يعرف جيدًا أنها ستسبب له معاناة شديدة، ويلجأ بعدها إلى التاجاميت أو الزنتاك ومؤخرا نكسيوم وأوبرازول لإسكات الألم )بالمناسبة، يقال إن بعض الأدوية التي تعالج القرحة تسبب قدرًا من العجز الجنسي لدى الرجال(.
ويعتبر ليبيتور الخافض للكولسترول أكثر الأدوية مبيعًا حاليًا، فالملايين »تلهط« كل ما يرفع الكولسترول ثم »تعطيها« ليبيتور!! وقريبًا سيصبح إس جي إل تي 2 الذي يقوم بتطويره شركة جلاسكو سميث آند كلاين، مثل الموبايل في جيب كل صغير وكبير، فهي تزعم أنه يقوم بخفض كمية الجلوكوز والأنسولين في جسمك، مهما مارست الرمرمة التي هي الأكل بلا ضابط أو رابط أو فرامل!! وإذا كان ما تقوله هذه الشركة صحيحًا فإن هذا العقار الذي سيتغير اسمه عند طرحه في الأسواق سينال مجدًا أكثر من ذاك الذي نالته الفياغرا!
على ذمة صيادلة أمريكان وكنديين التقيت بهم فإن آخر عقار مأمون لحرق الدهون لأنه مصنوع من بروتينات وأعشاب وليس به مواد كيمائية هو CLA، ولكن شريطة ان يمارس من يتعاطاها بعض الرياضة ويكف عن شحن جسمه بمزيد من الدهون.
زاوية غائمة – جعفر عباس