اشتباك الحكومة مع المؤسسات الدولية.. ما الفوائد وما المضار؟
مع تواصل تداعيات قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، بشأن تجميد النشاط الرياضي في السودان على كافة المستويات، وتوجيه المراقبين انتقادات شديدة حيال تعامل القائمين على الأمر مع القرار الصادم، شهدت الأيام الماضية ردة فعل عنيفة امتدت إلى خارج الوسط الرياضي.
وفي السياق ذاته، انتقدت قطاعات واسعة تعامل المسؤولين مع تهديدات (الفيفا) قبل وقوع القرار بشكل رسمي، وحملوهم مسؤولية تجميد النشاط. في الأثناء كان الفريق عبدالرحمن سر الختم أشار في حوار مع (اليوم التالي)، إلى أن الشرعية لا تمنحها (الفيفا). ووجد الحوار تداولا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي بعد قرار التجميد، على سبيل التندر.
أخيرًا انتهى نصف الأزمة؛ حيث أصدر وزير العدل الجديد، إدريس جميل، بعد ساعات من توليه المنصب، قراراً بإخلاء مباني الاتحاد العام لكرة القدم، وهو القرار الذي كانت تنتظره (الفيفا) بوصفه إزالة للتدخل الحكومي في كرة القدم، وهو تدخل تحرمه قوانين (الفيفا). وكان (الفيفا) منح السودان حتى يوم الخميس المقبل لتسليم خطاب وزارة العدل المتعلق بإلغاء قرار الوزارة وإخلاء مقر الاتحاد السوداني لكرة القدم.
صحيح، مثّل القرار الأول بادرة لامتداد المناكفات المتعددة بين الحكومة والمؤسسات الدولية، حيث يشار إلى أن تلك المؤسسات قد أصدرت الكثير من القرارات بشأن السودان، كان أشهرها قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الجمهورية في عام 2009م، كما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على السودان في عهد الرئيس بيل كلينتون، وفي يونيو من عام 2007م أصدر مجلس الأمن قراراً بالرقم (1769)، الذي قضى بنشر القوات المشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور، وأحدث القرار شدا وجذبا بين الحكومة والأمم المتحدة، وغيرها من القرارات. ويقول المحلل السياسي صلاح الدومة إن الحكومة كانت موافقة على قرار القوات المشتركة، لكنها استندت في ذلك على بعض المطالب لحفظ ماء الوجه، وقطع بأن الدولة لا تعمل وفق استراتيجية محددة للسياسة الخارجية. وقال “علاقاتنا مع المنظمات الدولية بكل أشكالها ومجالاتها تفتقد كثيراً من العقلانية والموضوعية وقواعد القانون الدولي، كما يشهد واقع الحال، وواقع الحال هو الهرج والمرج واختلاط الحابل بالنابل، وفاقد الشيء لا يعطية. وبالتالي السلوك الخليط بالهرج والمرج والهرجلة هو نتاج طبيعي لذلك.
وعلى النقيض من التعامل غير الجيد لجزء كبير من مؤسسات الدولة مع المؤسسات والمنظمات الدولية، استمر شهر العسل طويلاً بين اتحاد كرة القدم السوداني، المؤسسة الرياضية الأولى في البلاد، والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، في واقع ربما يميل لصالح من يرى أن تعامل السودان يسير تماما وفقا للنهج المتبع أصلا والذي يقوم على المصالح، والدليل أنه لم يحدث خلال كل السنوات الماضية ما يعكر صفو العلاقة بين السودان والمؤسسات الرياضية، باستثناء حادثة بسيطة خلال عهد الدكتور كمال شداد، الذي كان قد طالب بإعادة الانتخابات وقدم طعناً لم يتم قبوله، قبل أن تنشب الأزمة الأخيرة بإقامة انتخابات لم يعترف بها الاتحاد الدولي، وصدور قرار من وزارة العدل بإبعاد الاتحاد الشرعي الذي يقوده الدكتور معتصم جعفر، ليرسل الاتحاد الدولي (فيفا) خطابات تهديد واضحة، رأى مراقبون أنه لم يتم التعامل معها بالشكل المطلوب أو الجدية الكافية، على الرغم من التحذيرات المتكررة للدكتور سر الختم. غير أن مناشداته ذهبت مع الريح ليقرر الاتحاد الدولي تعليق عضوية السودان، وبالتالي تجميد النشاط، واشترط إخلاء مقر الاتحاد وتمكين مجموعة سر الختم من الدخول الآمن وإدارة النشاط، وعدَّ (الفيفا) أن تدخل وزارة العدل ودخول مجموعة (30 أبريل) تدخلاً سياسياً واضحاً في الشأن الرياضي، وهو الأمر غير المسموح به تماماً. وهنا، لعل الجدل يتكرر مرة أخرى حول تعامل السودان مع المؤسسات الدولية وفوائده ومضاره.
رندا عبد الله
اليوم التالي