تحقيقات وتقارير

جنوب السودان.. 6 سنوات عجاف من الاستقلال نصفها حرب أهلية (تقرير)

جوبا / أتيم سايمون / الأناضول

الأحد الماضي أكملت دولة جنوب السودان أكملت 6 سنوات على استقلالها عن الجارة الشمالية السودان، وهي مدة قضت الدولة الوليدة أكثر من نصفها بالحرب الأهلية المندلعة منذ أواخر 2013، والتي لم تخلف سوى القتل والتشريد والمجاعة.

وفي وقت كان من المفترض أن تحل هذه الذكرى على شعب جنوب السودان وهو يستعد للاحتفال بها، فإن الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن، حيث تأتي المناسبة وهذا قد فقد ذويه، وذاك يعاني التشرد في معسكرات النزوح، وثالث ترك البلاد ليلجأ إلى دولة مجاورة، ورابع يعاني المجاعة حتى اللجوء أو النزوح لا يقوى عليهما.

مشاهد أربعة رغم مأساويتها إلا أنها ليست بجديدة ولكن معظمها يتكرر للعام الرابع على التوالي، حيث إنها صنيعة الحرب الأهلية التي يغلب عليها الطابع القبلي والمندلعة منذ ديسمبر / كانون الأول 2013، بين قوات رئيس البلاد سلفاكير ميارديت الذي ينحدر من قبيلة الدينكا، وقوات المعارضة المسلحة بزعامة النائب المقال للرئيس ريك مشار من قبيلة النوير.

واندلعت تلك الحرب المستمرة حتى اليوم بعد عامين ونصف العام تقريبا من نيل البلاد استقلالها في التاسع من يوليو / تموز 2011، عقب حرب أهلية أخرى استمرت أكثر من عقدين ولكن مع دولة الشمال، وأفضت إلى استفتاء شعبي جاءت نتيجته لمصلحة الانفصال.

ورغم أنه جرى التوصل إلى اتفاق سلام في أغسطس / آب 2015، لكنه لم يفلح في إنهاء الحرب بين قوات سلفاكير ومشار، والتي خلفت مئات القتلى ومئات الآلاف من النازحين واللاجئين، علاوة على معاناة إنسانية زادت المجاعة من حدتها في بعض مناطق البلد، الذي يسكنه أكثر من 12.5 مليون نسمة.

تلك الحرب بددت أيضا آمال التغيير إلى الأفضل، والتي رسمها شعب جنوب السودان ذلك البلد الغني بالنفط والثروة الحيوانية، حيث كانت غالبيتهم العظمى تحلم بحياة أفضل ومستوى معيشة أرقى، بفعل الاستقلال الذي جعل بلادهم تستحوذ بعد الانفصال على نحو 75 % من الثروة النفطية للسودان قبل الانفصال.

وهي حرب أيضا بسببها بات نحو مليوني جنوب سوداني يعتمدون بشكل أساسي وشبه كلي على منظمات الإغاثة الدولية في توفير الغذاء لهم.

جيمس أوكوك المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جوبا، قال إن شعب جنوب السودان “فقد الثقة بأطراف النزاع وبأي حلول إقليمية ممكنة للأزمة الحالية”.

وفي حديثه للأناضول، أشار إلى أن الجميع “بات يعول على المجتمع الدولي وينتظر منه تسلم ملف الأزمة في جنوب السودان من أجل إنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، ومن ثم تخفيف معاناة المدنيين بجانب تحقيق العديد من الإصلاحات في القطاعين الاقتصادي والأمني”.

وأوضح أوكوك أن “إعلان الاستقلال وحده لا يعتبر كافيا، فالمهمة الرئيسية للحكومة تكمن في كيفية الحفاظ على الدولة المستقلة نفسها، فعلينا أن نتعلم كيف نحافظ على جنوب السودان دولة مستقلة، وهذا يقتضي الحفاظ على روح الدولة أيضا، لأننا أنفقنا وقتا طويلا على الماضي وتمجيد البطولات”.

وكان ديفيد شيرر رئيس بعثة الأمم المتحدة بدولة جنوب السودان قال في رسالة له مؤخرا بمناسبة الذكرى السادسة للاستقلال: “بالنسبة إلى العديد من الناس ليس احتفالا، لأن هناك حربا ومجاعة، ولا يزال هناك عدد من المواطنين ينتظرون ثمار حرب التحرير والاستقلال، أتمنى أن يعيش شعب جنوب السودان في الدولة التي يستحقونها، في بلد يلتزم قادته بالسلام، ويتم تسخير موارده لمصلحة المواطن”.

وبسبب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها جنوب السودان جراء الحرب، وتراجع قيمة العملة الوطنية أمام الدولار، وتدني إنتاج البلاد من النفط الذي تعتمد عليه خزينة الدولة بنسبة 90 %، أعلنت الحكومة مؤخرا إلغاء الاحتفالات الرسمية بـ “عيد الاستقلال” الذي يقام في 9 يوليو / تموز من كل عام، وذلك للمرة الثانية على التوالي.

القرار جاء في ظل عدم قدرة الحكومة على الإيفاء برواتب الموظفين بالخدمة المدنية لما يقارب ثلاثة أشهر.

وفي هذا الصدد رأى جون ديفيد الخبير الاقتصادي بمركز “ديفرستي” للدراسات بالعاصمة جوبا، أن الحكومة اعتمدت منذ الاستقلال على مورد البترول ولم توجه عائداته للنهوض بالقطاعات الاقتصادية الأخرى كالصناعة والزراعة والقطاع الخدمي.

وفي حديثه للأناضول رأى ديفيد أن “المشهد الاقتصادي في البلاد يتجه نحو الأسوأ حيث تفاقمت الأوضاع المعيشية للمواطنين جراء الغلاء والتضخم المتسارع”.

أما إسماعيل سليمان عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي المعارض، فأشار إلى أن “شعب جنوب السودان الذي ناضل لعدة سنوات وتمكن من تحقيق دولته المستقلة كان يتوقع بإعلان الدولة في يوليو 2011 أن تتغير أوضاعه السابقة في كل المجالات (التعليم، الصحة، والاقتصاد)”.

وشدد في حديثه للأناضول على أن “الأوضاع تراجعت بعد ست سنوات من الاستقلال”.

وزاد بقوله: “حدث تراجع في كل شيء بعد الاستقلال، في أمن المواطن وصحته، وأصبح الناس يشعرون بأسى شديد لأن القضية هي أن الاستقلال لم يحقق تغييرا في الأوضاع ، لكن هذا لا يحبط عزيمتنا في أن نواصل في اتجاه تحقيق كل الآمال التي وضعها الشعب في الاستقلال”.

وتشير الإحصاءات الدولية إلى وجود حوالي 1.8 مليون لاجئ من جنوب السودان، بينهم مليون طفل لاجئ، في كل من أوغندا، وإثيوبيا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى السودان، وذلك بخلاف النازحين داخل البلاد.

وكالة الأناضول