تمديد رفع العقوبات .. كلاكيت ثاني مرة
إحباط ساد العاصمة الخرطوم بعد أن أملت في أن ترفع واشنطن العقوبات المفروضة عليها منذ 20 عاماً بشكل نهائي، وذلك مع انقضاء فترة الـ6 أشهر، إلا أن قرار السلطات الأمريكية جاء بما لا تشتهي سفن حكومة وشعب السودان، بإرجاء البت في قرار الرفع الدائم للعقوبات عن السودان، لثلاثة أشهر أخرى، على الرغم من أن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، في تصريح أمس الأول أكد أن الجانب الأميركي في كل جولة يؤكد أن الجانب السوداني أوفى بما التزم به، غير أن الخارجية الأمريكية عزت الأمر للتأكد من أن السودان عالج بشكل تام مخاوف واشنطن . رفع جزئياً وفي يناير الماضي، رفعت إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما جزئياً العقوبات التجارية والاقتصادية المفروضة على الخرطوم منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، وسمح ذلك بعودة التحويلات المصرفية بين أمريكا والسودان، إلى جانب استئناف عمليات التبادل التجاري، في الوقت الذي أبقى فيه البيت الأبيض على العقوبات المفروضة على الخرطوم باعتبار أنها مدرجة على قوائم الدول الراعية للإرهاب. وجاء رفع العقوبات الاقتصادية بناءً على خمس مسارات من بينها، تعاون السودان مع واشنطن في مكافحة الإرهاب، والمساهمة في تحقيق السلام بجنوب السودان، إلى جانب الشأن الإنساني المتمثل في إيصال المساعدات للمتضررين من النزاعات المسلحة بالسودان. رفع مشروط الخارجية الأمريكية في بيان لها أمس أقرت بأن السودان أحرز «تقدماً كبيراً ومهماً في الكثير من المجالات»، لكنها قالت إن الأمر يحتاج إلى ثلاثة أشهر أخرى، وأضافت «سترفع الولايات المتحدة العقوبات إذا جرى تقييمها بأن حكومة السودان أحرزت تقدماً مستمراً في هذه المجالات بنهاية فترة المراجعة الممتدة». . وتشمل المطالب الأمريكية حل صراعات عسكرية داخلية في مناطق مثل دارفور، وتحسين دخول المساعدات الإنسانية، والحفاظ على تعاونها مع الولايات المتحدة في معالجة الصراعات وتهديد الإرهاب، والحفاظ على حقوق الإنسان. تقارير مضحكة وفي أول رد لها أبدت الخارجية السودانية أسفها لصدور مثل هذا القرار بعد هذه الفترة الطويلة من الحوار والنقاش بين السودان والإدارة في المسارات الخمس، والتي بإعتراف الجانب الأمريكي والدولي والإفريقي والأوربي تم إيفاء السودان الكامل بالمتطلبات، وأن جميع المؤسسات الأمريكية المعنية في الحوارات الثنائية أكدت ذلك في الاجتماعات الشهرية والنصف شهرية السياسية والفنية العليا، لذلك لا نرى سبباً لهذا التمديد، ومازلنا نتطلع لرفع هذه العقوبات، وقالت إن الادارة تتحدث عن حقوق الإنسان وهي ليس جزءًا من المسارات الخمس، مؤكدة بأن حقوق الإنسان السوداني محفوظة بعلم الجميع، ونظرة واحدة لهذا البلد الأمين تؤكد ذلك، وأكدت أن شعار الحرب في دارفور والمنطقتين تجاوزه الزمن وفقاً للتقارير الإقليمية الدولية، واتهمت جهات خارجية بأنها ترفع شعارات وتقارير مضى عليها الزمن بشهادة الجميع، فقد قام السودان بالإيفاء بها، وفي بعض الأحيان نري تقارير مضحكة . خطوة إيجابية وحول قرار التمديد قال عميد كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم حسن الحاج إن إدارات الولايات المتحدة المختلفة بها عدة أطراف تؤثر على هذا القرار، والأطراف هي وزارة الخارجية والاستخبارات وهما مع رفع العقوبات كلياً، بينما الطرف الآخر مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض والكونغرس، وهما مع الإبقاء على العقوبات، وأضاف واضح أن القرار به مساومة بعد ضغوطات من الطرفين، لذا جاء بالتمديد لثلاثة أشهر، ووصف الحاج في حديثه لـ(آخر لحظة) الخطوة بالإيجابية وأفضل من التمديد بصورة كاملة، وقال واضح من تصريحات المسؤلين بالسفارة الأمريكية أن العقوبات سوف ترفع، من واقع حديثهم بعدم رجوع العلاقات الأمريكية السودانية إلى الوراء . خير من غيره كما أبدى رئيس مركز دراسات الهجرة د.خالد لورد عن عدم سعادته بتمديد رفع العقوبات، قائلاً «نحن ليس سعداء بالتمديد لأنها عقوبات غير مبررة جائرة وظالمة»، ولكن التمديد خير من غيره من القرارات، وقال كنا نأمل برفع العقوبات لأنها تمس المواطن السوداني، وهي نفسها تمثل خرقاً لحقوق الإنسان بإعتبار أنها تؤثر سلباً في تمتع المواطن السوداني بحقوقه، وأوضح لورد لـ(آخر لحظة) أن رفع العقوبات سيسهم بشكل كبير في حراك سوق العمل، حيث أنه سيكون بحوجة لكوادر وكفاءات من خارج السودان، مما يسهم في عودة الكوادر المهاجرة بالخارج من أصحاب الكفاءات العالية، بجانب أنه سيخفض من معدلات الهجرة غير الشرعية والنظامية، ويحد من الإتجار بالبشر . إخفاق أمريكا فيما يرى مدير مركز العلاقات الدولية عادل حسن أن قرار التمديد لثلاثة أشهر لم يكن غائباً عن الخيارات التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التمديد لستة أشهر أو عاماً، ووصف حسن في حديثه لـ(آخرلحظة) القرار بأنه مؤشر إيجابي، وقال إن ترامب حاول بهذا القرار أن يوفق بين رغبة الناشطين الأمريكيين المعارضين للسودان، وفي ذات الوقت حاول ألا يكون ذو تأثير على الشعب السوداني، وانتقد عدم إدراج الإدارة الأمريكية لملف حقوق الإنسان ضمن المسارات الخمس، واعتبره اخفاقاً من الإدارة في تحديد الأولويات لإرضاء الناشطين، لكنه عاد وقال القرار فيه شيء من التنازلات، وإشارات بأن الولايات المتحدة ليس لديها الرغبة في استمرار العقوبات على السودان . خطوة موش بطالة ويقول القيادي بالاتحادي الديمقراطي الأصل والخبير بالعلاقات الخارجية ميرغني مساعد، إن إرجاء العقوبات لثلاثة أشهر خطوة ما بطالة، رغم أننا كنا نتمنى وننتظر رفعها بنهاية الستة أشهر، سيما وأنها كانت كافية جداً ولا تحتاج لإضافة أخرى، قدم من خلالها السودان جهداً مقدراً في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وغيرها من القضايا التي تطالب بها الولايات المتحدة، وقال مساعد لـ(آخر لحظة) نرجو أن تمر الثلاثة أشهر بخيرها وشرها ونصل إلى قرار رفع العقوبات، وأضاف ليست هناك أسباب وجيهة لإرجاء العقوبات لفترة أخرى، مطالباً الحكومة بالبحث عن الأسباب التي دعت الولايات المتحدة تمدد للمرة الثانية، مشيداً بجهود وزارة الخارجية في سبيل رفع العقوبات بشكل نهائي . فرص كبيرة وفي السياق يشير وزير الدولة بوزارة الاستثمار أسامة فيصل إلى أن تمديد الرفع الكلي للعقوبات لثلاثة أشهر أخرى يؤثر على السودان، مثلما يؤثر على الشركات الأمريكية لفقدان فرص كبيرة، وأيضاً يفقد المجتمع الأمريكي فرصاً لتوظيف عمالة كان يمكن أن تبدأ عملها فور رفعها، مؤكداً على أن إرادة الشعب السوداني منتصرة في خاتمة الأمر، داعياً المؤسسات الأمريكية والبنوك والشركات والنقابات للضغط على الحكومة الأمريكية للتعجيل برفع العقوبات للبدء في شراكات ذكية بين القطاعين الخاص السوداني والأمريكي، موضحاً أن السودان يظل بوابة اقتصادية استثمارية في أفريقيا لبعض الدول العظمى، وأن المساحة مازالت متوفرة للشراكة مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ووجه رسالة لقطاع المال والأعمال والمستثمرين بأن السودان سيظل متعاوناً وسيتعامل مع كافة الأحداث بايجابية، بإعتبار أننا كشعب نستطيع وحدنا أن نقرر مصيرنا، وأكد الوزير على أن السودان سيقابل الرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية بمزيد من تسهيل العملية الاستثمارية، مبيناً أن الشركات العالمية ستتعامل مع السودان لإداركها لمصلحتها في ظل ركود الاقتصاد العالمي، قائلاً إن السودان يعد أحد الواجهات الاساسية في العالم للبحث عن الموارد غير المستغلة، وأن موقعه الإقليمي يجعله سوقاً كبيراً للكثير من الشركات. تحقيق أهداف ويقول عضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني سالم الصافي حجير إن إرجاء الولايات المتحدة الأمريكية البت في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان ثلاثة أشهر مقبلة سيكون دافعاً للحركات المسلحة التي لم تضع السلاح، ولم تنخرط في المفاوضات للتمنع من الجلوس للمفاوضات من أجل إرساء السلام، وكذلك الأحزاب السياسية التي لم تنخرط في الحوار الوطني، واصفاً الخطوة بغير المقبولة، وتخوف حجير من تراجع الشركات المستثمرة الأجنبية التي كانت تود الاستثمار في السودان بسبب تمديد العقوبات، وأشار الصافي إلى الاستهداف الذي يواجه السودان، قائلاً إن أمريكا لديها أهداف من العقوبات إن لم تحقق لن يتم رفعها . فشل ذريع فيما يقول رئيس حزب الوسط الإسلامي د. يوسف الكودة إنه توقع أن يكون القرار أكثر من ثلاثة أشهر، لأن النظام في السودان لم يحقق المطلوبات الأساسية التي تريدها الولايات المتحدة، وأهمها ملف حقوق الإنسان والذي فشلت فيه الحكومة فشلاً ذريعاً، وأوضح الكودة لـ(آخرلحظة) أن من الأسباب التي أدت إلى عدم رفع العقوبات استمرار مصادرة الصحف واعتقال السياسيين، وقال يوسف أن ملف حقوق الإنسان هو المحك الأساسي، وليس الحركات المسلحة أو دارفور كما يظن النظام، مؤكداً بأن المواطن السوداني هو الأهم سيما وأنه في حالة يرثى لها . غير مقبول فيما دعا رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان وزير المالية السابق علي محمود للتعامل مع العلاقات الخارجية بطول بال ونفس طويل، وعزا تمديد العقوبات الأمريكية على البلاد لثلاثة أشهر أخرى، للانقسام الذي حدث داخل الإدارة الأمريكية، وقال محمود في تصريحات صحفية بالبرلمان أمس إن ما حدث تأجيل وليس فرض عقوبات جديدة، مما يفسر أن النية والفكرة لدى الإدارة الأمريكية ما تزال قائمة، وطالب محمود بالابتعاد عن القلق خاصة وأننا صبرنا عشرين سنه، والثلاثة شهور ما كتيرة» على حد قوله، وتابع» على الرغم من أن القرار غير مقبول بالنسبة لنا، ولكن علينا بالصبر، وقلل محمود من تاثير القرار، وقال : اقتصادنا تبرمج على العقوبات ولا جديد فيه، واستبعد تأثيره على سعر الصرف خلال المدة المقبلة، وطالب محمود الحكومة للعمل على اتخاذ تدابير لإدارة الشأن الاقتصادي والداخلي، بما يمكن من الصمود إلى حين الوصول إلى رفع نهائي في أكتوبر . كما أعلن رئيس البرلمان البروفيسور إبراهيم أحمد عمر أن المجلس الوطني سيجتمع اليوم الخميس لدراسة الخطوة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بتأجيل رفع العقوبات لشهر أكتوبر المقبل، وقال رئيس المجلس إن الاجتماع سيحدد كيفية التعامل مع بيان الإدارة الأمريكية . تراجع الأسهم السودانية وفي أول ردة فعل لتمديد رفع العقوبات، تراجعت الأسهم السودانية المدرجة في أسواق المال الإماراتية، بنحو ملحوظ خلال تداولات يوم أمس، وانخفض سهم «مصرف السلام ـ السودان»، المدرج في سوق دبي المالي، بنسبة 3.85 بالمائة متصدراً قائمة الأسهم الخاسرة في السوق، وطبقاً للأناضول فإن أسهم مجموعة «سوداتل» للاتصالات، المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، انخفضت بنسبة 3.64 بالمائة، وسط تداولات بقيمة 1.24 مليون درهم (337.6 ألف دولار). حالة ترقب وحول التكهنات برفع العقوبات عقب الثلاثة أشهر، إنفراد شخصية ترامب بالقرارات يصعب التوقع بأي قرار، ويعرف عن الرجل أنه من الصعوبة بمكان التكهن بما سيقرره سيما إثباته مراراً أنه مغرم باتخاذ القرارات الغريبة، والتي تضع أعوانه في حيرة ومن بعد الصدمة الأولى يسارعون في خلق التبريرات لقراراته الناشزة، ولكن الدلائل تتجه نحو رفع العقوبات، خاصة وأن العلاقة متطورة يوماً بعد يوم، ولكن يظل الجميع في حالة ترقب إلى أن نسمع من الرجل صاحب الكلمة الأخيرة في الأمر .
تقرير: جاد الرب عبيد
اليوم التالي