زهير السراج

كالفراشات على … (علبة الكبريت ) !!


* اذكر انني قد حدثتكم من قبل عن قصة (علبة الكبريت) .. كان ذلك في معرض الحديث عن أخينا (حسن اسماعيل)، الوزير حالياً، المناضل سابقاً، والله أعلم بالقادم ..الله كريم.. !!

* و للتذكير، فقد كنا في المدينة الجامعية لجامعة الجزيره (النشيشيبة) لحضور ندوة نهارية، ضمن برنامج لاحبابنا في حزب الامة. كان في الندوة حسن اسماعيل وآخرون لا تسعهم احتراماً كلمة (آخرين )، فليعذرونا لضيق المقام.

* حسن كان متالقاً، قوي الحجة، صائب الرمية، واذكر انه بينما كان يتحدث، جاء احد شباب التجمع، ورمى قنبلته، التي فحواها أن السيد (الصادق المهدي) قد وقَّع مع البشير اتفاقاً .. تفاجأنا، و اضطرب متحدثو حزب الامة، بحيث كادوا يفقدون مجرى الندوة ذات الطابع الفكري التوعوي .. اقول كادوا، لانهم ببراعة استطاعوا نفي التهمة وأرجعونا لعالم الافكار، وكان حسن بارعاً في نفيه، بتعديد الاسباب المبدئية التي تمنعهم من التحالف مع (القتلة ) .. وإضافةً لما هو مبدئي، ذكر عبرة من التجربة القريبة، وهي ان (الشريف زين العابدين الهندي) – وهو من اوائل من صالح الأنقاذ من قوى المعارضة – قابله قبل ايام وقال له: “الناس ديل والله شالونا وختونا في علبة كبريته و قفلوها”، دلالة على انهم لم يستطيعوا انجاز ما تصوروا انهم قادرون عليه من (الإصلاح من الداخل ).. اعجبت جداً بحجة حسن وصَدقتُه ولكن ليس طويلاً.. فبعد ساعات معدودة جاء الخبر اليقين، بأن (الصادق) بالفعل قد صالح!!
* مضت الايام وظللت أتأمل ظاهرة المناضلين الذي يتهاوون على علبة الكبريت كأنهم فراشات تتهالك على نار الهوى ــ كما قالت اغنيتنا الرائعة ــ فإذا استوعبنا ان (الشريف) قد انخدع، و انحبس داخل العلبة فما المبرر لأن تتوالى الدفعات من المناضلين الذين بلا استثناء يحدثوننا عن إصلاح النظام من الداخل، بل وتفكيكه .. ثم كانت سخرية القدر، ان راوي القصة نفسه، (حسن ) دخل ذات علبة الكبريتة، بكل الوثوق و التحدي.

* وتتوالى الوفود على العلبة، التي شرفتها لاحقاً اختنا (تراجي)، ثم مبارك (مرة اخرى)، وأخيرا زميلتنا (ميادة)، و عن (تراجي) أقول: لم أشك يوماً وانا استمع لتسجيلاتها والبرامج التي شاركت فيها، ممجدة الإنقاذ، و حاطة من قدر المعارضة والمعارضين، بأننا موعودون بتسجيلات عظيمة ستخرجها لنا لاحقاً، عن مخازي المؤتمرجية .. لم أاشك، لا لانني على صلة بالغيب، بل لاني أعرف (سيكلوجيا) تراجي، و طموحاتها التي لا تجعلها تقنع باقل من (نائب رئيس )، بل ربما (أبَّا كبير) ذاته … كنت أقف كثيراً امام تردادها لكلمة (الناخب )، وكلمة (الجماهير ) فتتداعى بي الكلمة للنتائج المنطقية اعلاه… و لكن لا أفهم (تراجي) باكثر من فهمي للموتمر الوطني الذي ما طار طائر (مغاير )، في سمائه وارتفع، إلا كما طار وقع .. بالمعنى الحسى أو المعنوي، او بهما معاً.. !!

* و يظل السؤال يتكرر: ما هو سر هذه العلبة الملتهبة كنار الفراشات، بأي طريقة تجذب هؤلاء النساء والرجال من المناضلين السابقين، لينحشروا داخلها، رغم كل العبر والتجارب السابقة، والصياح الداوي من الخصوم والاعداء: ألَّا جدوى من هذا النظام، ولا فرصة لإصلاحه، ولا فائدة من التصالح معه، إلا ان تكون فائدة ذاتية، تفاصيلها ارصدة وسيارات فخمة وعمارات ضخمة .. و لكن يبدو ان مكتولة (الإنقاذ) لا تسمع ادنى تحذير او صياح .. ذلك بان (الإنقاذ) تعرف (زرا) داخلياً يقود الجميع لـ(غيابة العلبة).. ذلك هو زر الأنا .. (أنا خير منه ).. فهو الذي يحرك (مبارك) ليسبق (الصادق)، و (الصادق الصغير) ليسبق الكبير ، والاتحادي ليسابق الامة، في الحصول على فتفات كيكة (الكيزان )، كما يحرك (تراجي) لتُكيد لـ(عرمان)، و (ميادة) لـ(عادل) والصحاب، والامثلة تستعصي على الحصر، بل لا حاجة للامثلة، فالحال يُغني!!
د. أحمد الأبوابى
إختصاصى الطب النفسى ورئيس لجنة الأطباء السابق.

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة