أفضل توجيهات حكومية في تاريخ الصناعة الدوائية بالسودان

الحمد لله، تلوح في الأًفق بارقة أمل .. وقبل السرد، في الخاطر خطاب للمرحوم المهندس عبد الوهاب عثمان وزير الصناعة الأسبق، بحيث خاطب شعبة صانعي الأدوية ذات يوم قائلاً : (منع الاستيراد من الخارج سيزيد من فرص التصنيع المحلي، ويشجع المستوردين على الاستثمار في الصناعة المحلية)..ثم طالب سلطات الدولة بعمل قائمة بالأدوية المصنعة محلياً من أجل إيجاد الحماية المناسبة لها من ( المنافسة الجائرة)..!!

:: وما وصف عبد الوهاب المنافسة بالجائرة إلا لأن أثقال الرسوم والضرائب والأتاوات الملقاة على الصناعة الوطنية تحول بينها وبين النهضة والمنافسة بالجودة والسعر..فالدولة – منذ عقود – ظلت تدعم الإستيراد الدوائي بثلاثمائة مليون دولار سنوياً، بيد أن مصانع بلادي تشتري مدخلات إنتاجها بدولار (السوق الأسود)، ومع ذلك كانت الحكومة تخدعنا بوعود الإكتفاء الذاتي عاماً تلو الآخر.. وما كان علينا إلا إنتظار الوعود، ولكن كمن ينتظر القرود يلدن غزلاناً أو السماء تُمطر ذهباً ..!!

:: ولكن يوم الثلاثاء الفائت، أصدر رئيس الجمهورية توجيهاً لمجلس الوزراء و وزارتي المالية والصحة والصناعة والبنك المركزي والمجلس الأعلى للأدوية والسموم، بالنص الآتي : (حماية أي دواء يُنتج محلياً بايقاف إستيراده من الخارج، ثم التصنيف الأدوية لأدوية مدعومة وأخرى مجانية وثالثة تجارية) .. أفضل توجيهات حكومية في تاريخ الصناعة الدوائية بالسودان، وخاصة قد شرعت السلطات المختصة وضعها في موضوع التنفيذ، وذلك بحصر الأدوية المنتجة محلياً ثم بتصنيف الأدوية إلى مجانية ومدوعمة وتجارية ..!!

:: فالأدوية المجانية هي أدوية الطوارئ والحوادث والسرطان والكلى والأطفال دون سن الخامسة عبر المشافي العامة، وبواسطة الصندوق القومي للأمدادات الطبية، ونأمل أن يتفرغ الصندوق لهذا الدور بجدية .. أما الأدوية التي عاد اليها الدعم – بسعر الصرف المركزي 6.8 جنيه للدولار – فهي أدوية السكري والضغط والأزمة والصرع والأمراض النفسية وغيرها من أدوية الأمراض المزمنة والتي تستدعى الاستخدام مدى الحياة.. ثم الأدوية التجارية …!!

:: وللأسف سياسة الدولة كانت ضد الإنتاج الدوائي ولو لحد الإكتفاء الذاتي، أي ناهيكم عن التصدير ..والإحتفال الذي كان يحدث بين الحين والآخر – تحت مسمى أول شُحنة تصدير دوائية – ما كان إلا محض مبادرات شخصية يجتهد فيها صاحب المصنع، ثم تموت المبادرة – بإنتهاء مراسم الإحتفال – لعجز سياسة الدولة عن التشجيع والتحفيز .. فالسودان يقع في سياج دول تصرف الكثير على الإستيراد الدوائي..وعقول ومصانع السودان كانت قادرة على سد حاجة هذه الدول والدول التي تجاورها.. ولكن الإرادة السياسية كانت تحول دون تحقيق هذا الحلم..وأن تقوى هذه الإرادة (أخيراُ)، خير من أن تظل خاملة (دائماً)…!!

:: والمهم..عدد الأصناف المسجلة في مجلس الأدوية (3.500 صنف)، و منها المصنعة محلياً (750 صنف)، وهي المستهدفة حالياً بقرار الحماية والتشجيع، وذلك بمنع إستيرادها..ولكن – حسب الانتاج المحلي وحجم الإستهلاك – فان مجلس الأدوية سوف يبدأ بمنع إستيراد أكثر من مائة صنف تنتج محلياً (منع كلياً)، ثم يتدرج في منع الأصناف الأخرى بنسب تتراوح ما بين (50%، 20%)، لحين الاكتفاء منها بالانتاج المحلي .. وعليه، شكراً للرئاسة وللمجلس القومي للأدوية، ويجب مراقبة هذه القرارات – حتى تؤتي ثمارهاً – بحيث لا تحاربها شركات الاستيراد، أي كما تحارب شركات الدقيق إنتاج القمح ..!!

الطاهر ساتي

Exit mobile version