جعفر عباس

عن جماعة السيد كرار والدولار


تناولت في مقالي هنا أمس، تصريحات الدكتور التهامي كرار، الأمين العام لجهاز المغتربين، حول استعداد الجهاز لاستقبال المغتربين العائدين من السعودية أو حتى كمبوديا، وكان مؤدي المقال،أن الجهاز لا يستطيع حتى استقبالهم في المطارات والموانئ، كما يفعل مقدمو بعض البرامج التلفزيونية السخيفة
ومؤخرا صار جهاز المغتربين يحمل اسم «جهاز السودانيين العاملين في الخارج»، والتسمية الجديدة أكثر دقة، لأن «مغتربين» كلمة فضفاضة وقد تخص الإثيوبيين والسوريين والتشاديين المقيمين في السودان «الشقيق»، ولكن لماذا أنشأ الجهاز مؤسسة للتعليم العالي وأسماها «جامعة المغتربين»؟ هل تخص الجامعة فئات المغتربين المذكورين أعلاه؟ جائز، فمبلغ علمي هو أن الجامعة لا شأن لسودانيي الشتات بها، ولا شأن لها بهم، وحتى لو كان هناك «شأن» متبادل بين الطرفين، ولو افتراضيا، فما من جهة كلفت نفسها بشرح ماهيته
ومن جهة أخرى، فمن الثابت والمؤكد أن ذلك الجهاز لا شأن له بالسودانيين العاملين في الخارج (المغتربين)، إلا كوسيط بينهم وبين الحكومة، ليس «واسطة خير»، ولكن باعتباره الجهة المكلفة بتنشيف ريق المغتربين، وحرمانهم من حق أساسي هو حق «السفر» متى ما شاءوا، فالمغترب لا يمكن ان يحصل على تصريح بالسفر إلى الخارج، ما لم يسدد الزكاة ورسوم تأشيرة الخروج، وبالتالي فالمغتربون يكنون كرها بلا حدود لجهاز يحمل اسمهم ويأخذ ولا يعطي، ولا يعني ذلك أنهم يكرهون العاملين في الجهاز، فهم خادم الفكي المجبورة على الصلاة، ويؤدون مهاما تم تكليفهم بها، ولا تدخل الجبايات جيوبهم
ومن مقتضيات الانصاف ان نقول إن تحصيل الجبايات من المغتربين صار أكثر كفاءة/ سهولة، ولكنني ظللت أتساءل على مدى ربع قرن: لماذا لا يكون للجهاز «شباك» خاص في مطار الخرطوم وميناء بورتسودان ـ مربوط الكترونيا ـ بالمكتب الرئيسي بحيث يقوم المغترب بسداد ما عليه من رسوم وهو مغادر خلال دقائق معدودة، بدلا من التوجه لمقر الجهاز في كل زيارة للوطن، لقضاء يوم كامل منتقلا من شباك إلى آخر، وصولا الى قسم الجوازات، حاملا إيصالات تؤكد أنه دفع ثمن المخارجة من الوطن
أتى على المغتربين حين من الدهر كانوا يوردون عبر المصارف خمسة مليارات دولار سنويا ، وكانت حكومة نميري التي فرضت الجبايات على المغتربين تمنحهم حوافز تعلو قيمتها كلما علت نسبة تحويلاتهم عبر المصارف، ثم تمّ سحب تلك الحوافز نهائيا، وتزامن ذلك مع نحر/ انتحار الجنيه، فصار المغتربون يغذون السوق السوداء بدولاراتهم، ولا تثريب عليهم في ذلك، فالحكمة السودانية لا تحبذ أن «يلمّها النمل ويطأها الفيل»، فإذا كان دولاري الواحد اليوم يعود علي ب24 الف جنيه لو بعته لمصنع أدوية «مصانع الأدوية مضطرة لشراء 65% من احتياجاتهم من العملة الصعبة من السوق السوداء، لأن بنك السودان يعطيهم ـ استغفر الله يعطي بعضهم وليس جميعهم ـ فقط، نحو 35% من الدولارات التي يحتاجون إليها، ولا تثريب أيضا على مصانع الأدوية، لو قامت بتحميل المرضى «فرق سعر الدولار»، ولا تثريب على المرضى لو قاموا بترشيد استهلاك الدواء، والذي عليه تناول ثلاثة أقراص يوميا، يكتفي بقرص ونصف في اليوم، والأعمار بيد الله»، ولو بعت الدولار لتجار العملة فإن ذلك يعود علي بأكثر من 22 ألف جنيه، فهل عندي قنبور أم أنني جاهل وعدو نفسي بحيث أبيعه لمصرف ب16 ألف جنيه؟
وقد اجتهد جهاز المغتربين لإقناع وزارة المالية بمنح المغتربين حوافز تشجعهم على التعامل مع المصارف، ولكن لا حياة لمن تنادي، وبين الحين والآخر تأتي وفود الى المهاجر لبيع السلعة الوحيدة التي تحسن الحكومة تسويقها، وهي الأراضي، وطبعا الأراضي التي فيها الزبدة ليس فيها مساحة تتسع لقبر، لأن أهل العقد والربط «لم يعد هناك جماعة ل»الحل»» كوشوا عليها، فيعرضون على المغتربين أراضي في الأرباع الخالية، بأسعار خيالية، ثم اكتشف المغتربون ذوي القدرة المالية العالية إن كلفة شراء أرض وإقامة منزل واحد عليها في السودان، تكفي لشراء شقتين أو ثلاث في بلد عُمْلته صعبة المنال وصامدة وشامخة، وكمان في بلدان تعطيك حق الإقامة فيها ل99 سنة إذا امتلكت فيها عقارا.

صحيفة الصحافة