جعفر عباس

مؤامرات براغ وأم درمان


ذات عام شهدت العاصمة التشيكية براغ اجتماعًا لفلكيين من عدد من البلدان، وبنهاية الاجتماع كان قد تقرر أن يكون عدد كواكب المجموعة الشمسية 12. لا أعرف كم كان عدد تلك الكواكب قبل اجتماع براغ هذا، ولكنني أحتج على جعل عددها 12!! هي الدنيا سايبة؟ بعد سنوات من العذاب في المدارس والجامعات لا يعرف معظمنا -في السودان على وجه التحديد- من تلك الكواكب سوى المريخ وزحل والمشتري والزهرة، وسبب اقتصار معرفتنا بأسماء الكواكب على الأربعة الآنفة الذكر هو أن المريخ أحد أندية السودان الكروية المعروفة، ومقره مدينة أم درمان، والزهرة أيضًا فريق في أم درمان، وأهل أم درمان مثل أهل لبنان لديهم مهارات في الترويج لكل ما يخصهم، بل هناك »أم درمانيون« يعتبرون مدينتهم كوكبًا مستقلاً عن كوكب الأرض، ولولا أن النازحين من مختلف الأقاليم نجحوا في حصار أم درمان لقامت فيها من زمان )حركة تحرير(..

وليس سرًا أن »الأم درمانيين« لا يعترفون بالخرطوم كمدينة مستقلة قائمة بذاتها، بل يعتبرونها ضاحية عشوائية لمدينتهم.. وزحل أيضًا صار معروفًا بسبب الشعراء الغنائيين »الأم درمانيين«، وهناك أغنية واسعة الانتشار لمطرب مقيم في أم درمان يقول فيها الشاعر للمحبوب: »لو كنت تبعد في زحل.. أو كنت يوم قمر السما.. لا بد يوم ليك أصل«، أما كوكب المشتري فقد صار معروفا على نطاق ضيق بعد ظهور سوق ليبيا الذي هو أين؟ عليك نور.. في أم درمان )بالمناسبة فإن جميع السودانيين يسمون أم درمان العاصمة الوطنية، لأن محمد أحمد المهدي الذي طرد الحكم التركي من البلاد رفض أن تكون الخرطوم عاصمته واستقر حكمه في أم درمان(.

وبكل جدية فإن مسألة زيادة عدد كواكب المجموعة الشمسية أمر لا ينبغي السكوت عنه. هل لدى من اتخذوا القرار ذاك تفويض/توكيل منك ومني؟ إلى متى يقرر حفنة من الناس أمورا لتصبح ملزمة لسائر الخلق؟ وسأظل أتساءل للمرة الألف: إلى متى نبقى إمَّعات يقولون لنا هذا هو خط الاستواء، وهذا هو توقيت جرينتش الذي تضبط عليه ساعتك فنقول سمعًا وطاعة؟ وماذا كانت عاقبة تبعيتنا العمياء للغرب؟ المدار الذي يمر بمنطقتنا سمَّوه مدار السرطان وصرنا نحن منطقة »مدارسرطانية«! كان ممكنًا أن يسموه مدار الفراولة أو البرتقال أو حتى مدار الإسهال، فالأسماء ببلاش، ولكنهم تعمدوا ربط منطقتنا في شمال السودان باسم مخيف، ثم يقولون ان السودان خطر على السلام العالمي، وبالمقابل فإن المدار الذي يقابله جنوب خط الاستواء صار مدار الجدي )الجدي حيوان نال التقدير في الشعر العربي القديم، وكانت ذروة الغزل بحسناء تشبيهها بالجدي، وكانت الكلمة تطلق على فصيلة من الغزلان ثم صارت تعني التيس / ذكر الماعز(.

وعلى صعيد آخر أنظر إلى ما سيعانيه عيالنا في المدارس بسبب ترقية بعض النجوم إلى كواكب وإلحاقها قسرًا بالمجموعة الشمسية )دخلت موقع قوقل عند هذه النقطة واكتشفت أن كواكب المجموعة الشمسية كانت تسعة حتى مؤتمر براغ المشؤوم(. ألا يكفي ما عاناه عيال المدارس من تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كانت عاصمته موسكو، و..بس، والآن صار التلاميذ مطالبين بمعرفة جمهوريات طاجنستان وشيشكبابستان وزفتستان وكخستان وكاكاستان ولكل منها عاصمة يسبب اسمها التواء المصران! وهناك جمهورية نجمت عن تفكك الاتحاد السوفيتي اسمها إنغوشيتيا )شيت يا؟ بالذمة هذا اسم؟( والأعجب من كل ذلك أن مؤتمر براغ ذلك تدارس إمكانية إبعاد كوكب )أظن ان اسمه بلوتوث أو شيء من هذا القبيل( من المجموعة الشمسية. أي والله العظيم، فقد تلاعبوا بنا منذ فجر التاريخ الحديث، وسكتنا لأننا من فرط بلاهتنا نصدق أن السكوت من ذهب.. ثم نصمت دهرًا وننطق كفرًا، ثم نتهم من ندين لهم بالطاعة العمياء في شؤون كوكب الأرض بالكفر ونهددهم بالويل والثبور، ولكن هل يخاف النسر من الزرزور؟

زاوية غائمة
جعفر عبـاس