إيّاك أن تظن (أنت النموذج).!
انتبهت ذات يوم وأنا أقود سيارتي إلى واحدة من القواعد النفسية والأخلاقية العّامة التي يشترك فيها أكثر الناس، فمثلاً:
إذا كانت أمامي سيارة بطيئة تحجزني قلت عن سائقها أنّه (بليد)، وإذا تجاوزتني سيارة مسرعة من ورائي قلت عن سائقها: يا له من (مُتهوِّر).!
إننا نعتبر أنفسنا (النموذج) الذي يقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل الإفراط، ومن نقص فهو من أهل التفريط، وقس على ذلك: إذا وجدت من ينفق إنفاقك فهو معتدل كريم، فإن زاد فهو مسرف، وإن نقص فهو بخيل، ومن يملك جرأتك في مواقف الخطر، فهو عاقل شجاع، فإن زاد فهو متهور، وإن نقص فهو جبان.
ولا نكتفي بهذا المنهج في حكمنا على أمور الدنيا، بل نوسعه حتى يشمل أمور الدين. فمن عبد عبادتنا فهو من أهل التقوى والإيمان، ومن كان دونها فهو مقصر، ومن زاد عليها فهو متنطع.
وبما أننا جميعاً نرتفع وننخفض ونتقدم ونتأخر ونتغير بين وقت ووقت، وبين عُمر وعمر، فإن هذا المقياس يتغير بإستمرار.
نصل من تلك الملاحظات إلى قاعدة مهمة من قواعد الحسبة: إيّاك أن تظن أن مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هو (الحالة التي أنت عليها)، والتي أنت راضٍ عنها، فرُب وقتٍ مضى رضيت فيه عن نفسك ما لا ترضاه اليوم من غيرك من الناس.
فأعمل على إصلاح ذاتك ولا تقس غيرك عليك، والمؤمن من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وتمثل بقول الله تعالى: (وما أُبرِّئُ نفْسي إنّ النّفْس لأمّارةٌ بالسُّوء إلاّ مَا رحِم ربّي إنَّ رَبّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).
محمد الطاهر (مختارات من السوشيال ميديا) _ صحيفة السوداني