شاهدت فيلم “إمبراطورية م” للمرة الثانية بعد اربعين عام في الرحلة الطويلة من الدوحة للخرطوم

سعدت عندما وجدت فيلم “إمبراطورية م” ضمن قائمة الأفلام المتاحة فى الطائرة القطرية القادمة من الدوحة إلى الخرطوم. تلك السفرية الطويلة التى تأخذنا من الدوحة فى إتجاه إيران أولا لتتفادى النطاق الجوى لدول التحالف و تصل للخرطوم فى 6 ساعات بدلا عن ثلاث.
أذكر أننا فى زمن الصبا – ربما فى عام 1973- قد إتجهنا يوما للخال متوكل عليه الرحمة فى طاحونته الشهيرة التى كانت قبلة لأهل الحى لشراء عيش الفتريتة و الأصفر و القمح و لطحن تلك الحبوب. أخبرنا الخال متوكل إننا نود الذهاب لسينما الصافية و أنها تعرض فى تلك الليلة فيلما عربيا و أننا سوف نشاهد الفيلم فى “الدور الأول”. إعتادت السينمات أن تعرض الأفلام مرتين. الأولى تبدأ حوالى الساعة 7.30م و ينتهى العرض حوالى 9.30. أما العرض الثانى فيعنى العودة للمنازل بعد منتصف الليل و هذا سيكون سببا لعقاب صارم و سمعة سيئة لنا فى أوساط الأسرة القريبة و الممتدة.
أدخل المرحوم متوكل يده فى جيبه و ناول كلا منا مبلغ 5 قروش. كان ذلك مبلغا كافيا لدخول السنما فى تلك الليلة و توفير قدر كاف من التسالى و الفول المدمس و الترمس و الكبكبك لنستمتع بليلة رائعة.
لم ندر حينها أن فيلم “إمبراطورية م” يحكى عن تفاصيل حياة سيدة تشغل منصبا وزاريا فى التربية و التعليم (فاتن حمامة) و هى كذلك أم لأربعة أولاد و بنتين و قد توفى الوالد منذ سنين عددا؛ فالأبناء يحاولون التمتع بصباهم و الأم تحاول السيطرة عليهم؛ و يظهر الفيلم شيئا من التناقض بين إدعاء مبادئ الحرية و الديمقراطية و محاولة التمسك بمبادئ المجتمع المحافظ على قيمه و مورثاته. و تزداد حيرة الأم بعد وقوعها فى غرام رجل أعمال ثرى (أحمد مظهر) فيخلق تنازعا بين تفرغها لتربية أبنائها و حياتها الشخصية.
لا أدرى إن كنا قد إستوعبنا قصة الفلم فى ذلك العمر و لكن رسخ ذلك الفلم فى مخيلتى و إرتبطت فاتن حمامة (رحمها الله) فى ذهنى به. شاهدت الفلم بعد غياب دام لأكثر من اربعين عام و أعاد فى نفسى سلسلة بها الكثير من ذكريات الصبا إبتداء من الوقوف فى صفوف الدخول للسنما و تلك المقاعد داخل السنما و العودة ليلا للمنزل مرورا بميدان الرابطة بشمبات و نحن نتوجس خيفة لما يرويه البعض عن أحداث وقعت به … أظنها كانت نسجا من خيال أهلينا لكى لا نفكر فى دخول السنما قط؛ و أظنهم لم ينجحوا كثيرا فى ذلك.
بقلم
شريف فضل بابكر
3 اغسطس 2017