تحقيقات وتقارير

“الخرطوم تغرق” الأمطار جرفت معها أمس ترويج “أبو شنب” لنظافة وفتح مجاري محليته.. ما هي الخطوة القادمة؟

نعم، لن يكون عسيراً أن يجلب الفريق أحمد علي أبوشنب، معتمد الخرطوم، شركة أجنبية لتغسل شوارع محليته بالصابون والديتول وتعطرها بالمسك. منتهى اليسر أن يبرم أيِّ مسؤول تعاقداً بعطاء مفتوح ومراقب أو غيره مع مثل هذه الشركات، ما دام يمتلك المال الكافي.
كذلك فكرة غسل طرقات مدينة الخرطوم بالصابون ليست من إبداع أبو شنب، فشوارع وأزقة هذه المدينة كانت قبل سبعين عاماً تُغسل صباحاً ومساءً، وكانت حواريها تعبقُ بأريج وشذى الزهر، وكان الناس لا يدخلونها إلا وهم في كامل أناقتهم.. لا طبالي ولا عناقريب كانت تؤجر للباعة المتجولين، ولا أسواق لعمر نمر، ولا موقفاً للمواصلات يمتلكه (كركر)، ولا يسمح لشروني بتأجير ميدانه ليصير موقفاً للمواصلات يتمرد أصحاب الحافلات على دخوله.. هذه بعض من صور الخرطوم القديمة حين كانت الأهرام القاهرية تكتب عن أناقتها وجمالها وسحرها، الذي يجلب لها السيّاح من روما وباريس ولندن، لكن وما أتعس (إنَّ وأخواتها) والتي منها لكن المستدركة والمخالفة لما قبلها.
(1)
ذاك ظل الخرطوم حين كان عودها مستقيماً، لكن هل يستقيم الظل والعود أعوج؟
بالتأكيد لن يستطيع أبو شنب أن يجعل الظل مستقيماً لعود يراه ونراه معوجا، إلا أنه يعمد وبتصميم حازم بجعل الناس يصفقون لخطوة غسله للشوارع بالصابون أو بالمياه النظيفة، وهو لا يعلم أن مياه غسيله تغمر أرجله حين لم تجد لها مصرفاً تذهب فيه. لم يكن أبو شنب يتوقع أن المجاري التي لم تسع مياه غسيل الشوارع وتصرفها في الوقت المناسب دون شك سوف تضيق كثيراً عن مياه الأمطار التي هطلت مساء أمس (الجمعة)، وجعلت من الشوارع المغسولة بيد الحسناء المغربية أضحوكة ونكتة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، دون تهيب وخوف من أن ينالهم قانون المعلوماتية شديد الصرامة، ليقينهم أنها نكتة حقيقية مدعومة بالصور وليست إشاعة. حين كانت المغربية الجميلة تمسك بأناملها البضة خرطوش المياه المندفعة، وتحاول توجيهه نحو شارع النيل بالخرطوم، كان أبوشنب يتأمل صورة حديثة التقطت لتوها لشارع آخر غسلته الحسناء نفسها قبل ساعات، قبل إرسالها للصحف التي نشرت صورة للحسناء تخوض وسط المركبات وهي تمارس تطهير الشوارع، لكن هل ما يكتبه الأصدقاء أو ينشر كإعلان مدفوع القيمة، يكون مُبرِّئاً للذمة ويؤخذ كحقيقة؟!
الإجابة بكل بساطة لا، لأن مثل هذه الشهادات مجروحة، ومنذ الأزل بقيت الحقيقة ساطعة لا يمكن مواراتها بمثل تلك الأفعال، ودونكم ما خلفته أمطار أمس (الجمعة)، كما تُبيِّن الصور المرفقة مع هذا النص والتي تم التقاطها بعد الساعة الثانية ظهراً من مناطق متفرقة بالخرطوم منها موقف جاكسون وكركر والمنطقة الصناعية الخرطوم والخرطوم 3.
(2)
حديث مطمئن عن استعدادات محلية الخرطوم لفصل الخريف، أعقبه حوار صحفي جريء دمغ فيه الفريق أحمد علي أبوشنب من يقولون إن الخرطوم (وسخانة) بالكذابين، نسي الرجل أن من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة، وها هي أمطار أمس تظهر (وساخة) وطين الخرطوم، بعد أن غمرت مياهها مواقف المواصلات وحولتها إلى برك وأنهار، صار من الاستحالة قدرة أصحاب المركبات على دخولها لعدم صلاحيتها في الوقت الراهن، فرابط المواطنون خارجها وهم في حيرة من أمرهم. الصور تظهر موقف كركر وهو الموقف الرئيس في وسط الخرطوم خالياً من المركبات عقب غمر المياه له بالكامل، فكشفت جوانبه عن تردٍ مريع في البيئة، وحاويات مليئة بالأوساخ جاثمة لأيام في مكانها.
(3)
لو سلمنا جدلاً أن عيون الناس ألفت منظر الأوساخ في موقف كركر، ماذا سيقول لهم أبوشنب عن الأوساخ المتراكمة في الخرطوم3، فهل الإشارة لها تدمغ صاحبها بالكذب؟ عموماً لن يخلو جراب معتمد الخرطوم من وصف ينعت به من يشير إلى تلك الحاويات التي تحيط جذوع الأشجار، لكن هل الكشف عن تقاعسه في فتح المصارف والمجاري وتسببه في تعطيل حركة الناس وشل مركبات النقل نتيجة لركد المياه في كل مكان داخل المدينة، يجر صاحبه لزمرة الكذابين، فإن كان كذلك فما أكثر الكذابين ما دام هو جالس على مقعد معتمد الخرطوم، بحسب إبراهيم طه – صاحب طبلية باستاد الخرطوم. ويضيف إبراهيم متهماً أبوشنب بالإهمال: “لو زار الموقف مرة واحدة لعرف أنه يحتاج لفتح مجارٍ في أسرع وقت، ولكن لأنه لا يهتم لهذا تركه يواجه مصيره إلى أن غرق في شبر ماء، كما حدث بالأمس”.
والمضحك أن محلية الخرطوم وحتى لا تغيب عن يوم كهذا، أرسلت أربع عربات شفط لأجل سحب مياه الأمطار من موقف كركر كله، وحين وصلت تلك الآليات لم يجد سائقوها حلاً سوى ركنها جانباً والجلوس في مكان قصي، وعسى ولعل تساهم الرياح وأرجل العابرين في خفض مستوى المياه المرتفعة.

الخرطوم – محمد عبد الباقي
اليوم التالي