قانون المعلوماتية: سيف على رقاب الناشطين
الطيب العباسي: يجب تدريب وتأهيل الجهات المؤكل إليها تنفيذ القانون
خبير قانوني: على إدارة القضاء تعليم القضاة كيفية تفريد العقوبة حتى لا يصبح مصير المتهم تحت رحمة غلظة القاضي
محاكمة حاتم ميرغني ربما أرست سابقة هي الأولى من نوعها
لم يكن يعلم رئيس فرعية حزب المؤتمر السوداني بمدينة أم روابة شمال كردفان أن خصومه نصبوا له فخاً سيقوده إلى خلف القضبان وهو يستخدم هاتفه الذكي ويشارك بيان مجهول النسب يكشف عن بؤرة فساد بالمدينة المنكوبة التي سكن معاصر زيوتها الشهيرة (البوم) وغادرها كثير من رجال المال والأعمال وبقي من مدينة النيم إلا ذكريات وثق لها الزميل الصحفي المهاجر محمد الفكي في سفر رويته السوق الكبير. المهم أن حاتماً شارك البيان الملغوم على صفحته (بفيس بوك) ثم تصيده الخصوم ووجد نفسه مواجها بإجراءات جنائية وفقا لقانون المعلوماتية في مادته رقم 17 والقانون الجنائي بالمادة 159 المتعلقتين بإشانة السمعة.
سيف السلطات:
قانون المعلوماتية الصادر في العام 2007 والذي تم تفعيله مؤخراً اعتبره خبراء قانونيون وفقا لحادثة حاتم ميرغني انه أصبح سيفاً تشهره السلطات في وجه معارضيها من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي فيما يعتبره البعض أنه قانون يحمي المجتمع من التفسخ ويحرس عروض الناس وسمعتهم أو ربما كذلك أراد له أن يكون المشرع السوداني. وربما أملت الضرورة على المشرعين سن مثل هذا القانون بعد أن كثرة جرائم المعلوماتية وشكا المجتمع كثيراً من أحداث مؤلمة كان مسرحها الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي. وكثير من الجرائم كان يحكمها القانون الجنائي لكن سرعان ما يفلت الجاني من العقاب قبل سن القانون استناداً على المبدأ الذي نصت عليه المادة 4 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 إذ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ولطالما لا يوجد نص يجرم الفعل فيبقى أن المتهم بريء. وربما كشفت كثير من الجرائم الجديدة عن قصور في القانون يحتاج إلى معالجة فولد قانون المعلوماتية.
تشديد العقوبة:
قانون المعلوماتية الساري الأن نفسه ربما يحتاج إلى تعديل أو كذلك ما رمى إليه رئيس القضاء مولانا حيدر دفع الله في تصريح له خلال زيارته لمحكمة المعلوماتية الأسبوع الماضي أعلن فيه عن اتجاه سلطته لإصدار منشورات قضائية تهدف إلى تشديد العقوبات الواردة في القانون.
تخوفات ناشطين:
تصريحات رئيس القضاء نالت حظاً وافراً من التناول والاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي وسط تخوفات بعض الناشطين من استغلال القانون لكتميم الأفواه وممارسة المزيد من الكبت والحجر من حريات التعبير. سيما وأن هذه المواقع أصبحت محل إزعاج وقلق للسلطة الحاكمة حيث يستغلها ناشطون معارضون لها في تعبئة الجماهير نحو إسقاط النظام الحاكم. لكن رئيس القضاء برر التشديد القادم لحفظ المجتمع وتماسكه ومحاربةالشائعات التي انتشرت وسط هذه المواقع بصورة غير مسبوقة وسط اتهامات من السلطات الأمنية لجهات أجنبية معادية استغلت الفضاء الإسفيري للنيل من البلاد وتهديد وحدتها وتماسك مجتمعها.
السلطة تكشر أنيابها:
وما بين السعي لمصلحة المجتمع والحد من حرية الأفراد في التعبير تكشر السلطة انيابها لمعارضيها وتقمعهم حتى في الواقع الافتراضي وتضيق الخناق عليهم بصورة لافتة باستغلال قانون المعلوماتية وهدم مبدأ المحافظة على الخصوصية وما يحمله الأفراد داخل أجهزتهم الذكية من خصوصيات يتم انتهاكها بالقانون وتعرض حاملها إلى عقوبات قاسية تصل إلى السجن لمدة خمس سنوات.
المادة 17:
وبالرجوع إلى المادة 17 من قانون المعلوماتية والتي يقول نصها (كل من يستخدم شبكة المعلومات أو أحد أجهزة الحاسوب أو ما في حكمها لإشانة السمعة يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنتين أو الغرامة أو العقوبتين معاً) لجأ القاضي الذي نظر دعوى الشاكي في قضية حاتم ميرغني الشهيرة إلى تشديد العقوبة واستخدم سلطة المحكمة التقديرية واوقع على حاتم أشد العقوبة وأقساها حسبما ذكر محامي الدفاع في القضية في تصريحات سابقة للجريدة بأن القاضي أصدر الحكم جامعاً فيه بين السجن سنتين وهي العقوبة المقررة في أقصاها والغرامة بل وذاد عليه حكم بالتعويض 200 ألف جنيه (200 مليون بالقديم) رغم أن الشاكي لم يجلب البينة التي تثبت ضرره. لذلك جاء حكم الاستئناف مخففا فإلغاء حكم محكمة الموضوع وخفضت الغرامة إلى 5 ألف جنيه وألغت التعويض واعتبرت الفترة التي قضاها حاتم في السجن ما بين صدور الحكمين كافية للعقوبة وأطلقت سراحه.
سابقة خطيرة:
محاكمة حاتم ربما أرست سابقة هي الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة وسط الهجمة الشرسة التي تمارسها السلطة للحد من تحركات خصومها اسفيريا وتجعل من القانون سيفاً مسلطاً على رقاب الناشطين ويمكنها إخماد أي تحركات أو دعوات للتظاهر والتحريض ضد السلطة القائمة اسفيرياً سيما واذا جاء التشديد المرتقب من رئيس القضاء بمنشورات قضائية مشدداً للعقوبة في مثل هذه الأفعال التي يمارسها الناشطون بشكل يومي داخل صفحاتهم الاسفيرية. لكن هل من يطبقون القانون بالقدر الكافي من التأهيل الذي يمكنهم من ضبط مثل هذه الأفعال التي يجرمها القانون؟ الإجابة في الافادات التي أدلى بها الخبير القانوني الطيب العباسي للـ(الجريدة) حيث يرى العباسي أن لا غضاضة البتة في سن قانون معلوماتية لكنه يحذر من مغبة عدم تأهيل الجهات المسؤولة عن تطبيقه وتنفيذه من شرطة ونيابة وقضاء ويقول يجب على هذه السلطان الثلاثة أن تقوم بعمل اللازم بالمزيد من التدريب والتأهيل المهني الفني لمن تؤكل لهم مهمة التعامل مع الشبكة العنكبوتية وتصنيف ما إذا كان الفعل المستهدف داخلها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أم لا. ويضيف أن تلك مهمة واجبة ينبغي على الجهات المختصة القيام بها حتى لا يصبح القانون في يد طغاة يطبقونه حسبما تريد مصالحهم السياسية ويصفون بها حساباتهم مع الخصوم السياسيين. وعلى ذات ما ذهب إليه العباسي انتقد الخبير القانوني سيف الدولة حمدنا الله الحكم الذي اوقعه قاضي محكمة أم روابة على حاتم ميرغني وكتب حمدنا الله في متن مقالة له نشرها على موقع خدمة التراسل الفوري – واتساب – قائلاً (عوضا على تشجيع القضاة تغليظ العقوبات كان على إدارة القضاء أن تعمل على تعليم القضاة نظرية تفريد العقوبة حتى تكون العقوبات التي تصدرها المحاكم متسقة بحيث لا يتوقف مصير المتهم في كل قضية على غلظة القاضي).
الجريدة: علي الدالي
صحيفة الجريدة