صلاح الدين عووضة

موت وطن !!


*الأديب يوسف إدريس اشتهر بالقصة القصيرة..

*واشتهر كذلك بأن غالب قصصه هذه مستمدة من تجارب حياته الواقعية..

*وكان سيشتهر أكثر لو نجح في كتابة أقصر قصة في حياته..

*أو عن حياته هذه؛ في أشد لحظات تجاربها واقعيةً…..وختاماً..

*لحظة الموت التي أراد توثيقها؛ أدباً…وإبداعاً…وقصةً..

*ففي أواخر أيامه – بالمشفى- أصر على أن يكون بجانبه قلمه…وأوراقه..

*أراد أن يخوض تجربة ما سبقه بها أحد من العالمين..

*لا من الأدباء…ولا الفلاسفة…ولا المجانين…ولا الروائيين..

*وعجز الأطباء والأهل والأصحاب في إثنائه عن فكرته المجنونة هذه..

*ولكما أحس بدنو الموت دنا من ورقه ليكتب فإذا هو…ليس هو..

*أي ما ظنها النهاية لم تكن سوى بداية علة جديدة..

*فقد تكالبت عليه علل النهايات دون أن يلوح في الأفق ما يستحق شرف البدايات..

*فالموت وحده هو الذي نوى الكتابة عنه…ولا شيء غيره..

*فما أكثر ما كتب عن لحظات الميلاد…والأمراض…والحب…والخيانة..

*فقط لحظة الموت- عن تجربة- هي التي لم يكتب عنها..

*ولم يكتب عنها حرفاً حين جاءت – أخيراً- بعد طول انتظار..

*حين جاءت…وذهبت بروحه…وتركت بجوار جسده قلمه وأوراقه وأمنيته..

*فقد كانت تجربة قصيرة…أكثر واقعيةً من أن توثق قصةً قصيرة..

*فالموت لا يعبأ بمحاولة توثيق لحظته…ولا يبالي..

*والبارحة نفسي وجدت نفسها في موقف مشابه لموقف إدريس…مع الفارق..

*ليس من حيث محاولة توثيق لحظات موتٍ شخصي..

*وإنما محاولة توثيق لحظات موت وطن…دولة…أمة…وآمال وأحلام وطموحات..

*وهي أشد قسوة- وألماً – من محاولة يوسف إدريس..

*فكل شيء يتهاوى تحت أنظارنا…ونحن نكتفي بالنظر إلى النهايات..

*وكل يوم نوثق للحظات موت جزء من الجزئيات..

*وبقي الكل الذي نهايته تعني نهايةً مثل تلك التي تُكتب في خواتيم الأفلام..

*فما من يوم تشرق علينا فيه شمسه إلا ونُفاجأ بفقد شيء..

*وشروق شمس يوم الأمس شهدت محاولة توثيق غروب شمس عملتنا..

*والمحاولة كانت من تلقاء خبير اقتصادي…إنقاذي..

*وهو عبد الرحيم حمدي الذي بشرنا باقتراب الموت الدولاري من جنيهنا العليل..

*أو نعى إلينا جنيهاً؛ حيث (50) منه سيعادل دولاراً واحداً فقط..

*وهو الموت الذي لا موت بعده إلا أن يكون مثل الذي غشي إدريس..

*الموت الذي يغشى كل يوم عزيزاً وطنياً منا…ونحن لا نبالي..

*ونشهد كل يوم مفردة النهاية في خاتمة فيلم كل شيء…..ولا نبالي..

*ونحاول كل يوم توثيق لحظة مقدمه…وهو لا يبالي..

*وأعني نحن الذين نكتب قصص التجارب الواقعية…..لا حكومتنا..

*فهي مثل الموت…..لا تبالي !!!

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة