تحقيقات وتقارير

وصل الخرطوم في زيارة تستغرق ثلاثة أيام.. ديسالين.. زيارة الرد على (الشواغل) وملف السد

يصل إلى البلاد اليوم (الثلاثاء) رئيس وزراء جمهورية أثيوبيا الفيدرالية، هايلي ماريام ديسالين، ووفد رفيع المستوى، في زيارة رسمية تستغرق ثلاثة أيام. ويجري ديسالين محادثات مع الرئيس عمر البشير تتناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وذكرت الأنباء أن ديسالين سيلتقي خلال الزيارة بالنائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح ونائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن.
ويضم الوفد المرافق لرئيس الوزراء الإثيوبي وزير الإعلام والاتصال الحكومي نغرو لينشو، ووزير الطاقة والكهرباء والمياه سليشي بكالا، والسفير برهاني المستشار الخاص لرئيس الوزراء بدرجة وزير، وهيرتو زمني وزيرة الدولة بوزارة الخارجية، ويتضمن برنامج الزيارة إلقاء محاضرة بقاعة الصداقة يوم الخميس المقبل حول القرن الأفريقي وحضور ليلة ثقافية إضافة لزيارة بعض المنشآت الصناعية في البلاد.
زيارة مهمة
من بلاد الهضبة يحط الزعيم الإثيوبي هايلي مريام ديسالين رحاله في بلاد النيلين، والزيارة التي يقوم بها خلَف ملس زيناوي توصف بالمهمة، لجهة ارتباطها بالعديد من المتغيرات على منطقة القرن الافريقي، علاوة على كونها قد تأخذ طابعاً من الحساسية لا سيما وأن طرفاً آخر وهو الجار الشمالي للسودان، ونعني مصر بلاد الفراعنة قد تتحسس من الزيارة ودواعيها، ولا يخفى على بال مراقب أن العلاقة بين بلاد الزهرة الجديدة والخرطوم والقاهرة شديدة التعقيد في الوقت الحالي خصوصاً بعد قطع الجانب الإثيوبي شوطاً بعيدًا في بناء سد النهضة الذي تتحفظ عليه مصر مبدية مخاوفها على أمنها المائي.
علاقات قديمة
في حقب تاريخية اندثرت، لم يكن الود عامراً بين الخرطوم وأديس أبابا، وكثيرة هي أسباب الجفاء بين الطرفين، فتقلبات السياسة والأيدلوجيا دقت عطر منشم بينهما، وجعلت كل طرف يلقى الآخر بظهره معرضاً، إن لم تكن العداوة بائنة ومعلنة، فحينما كانت المعارضة السودانية تتحسس لنفسها موطئ قدم لمناهضة نظام مايو، وجدت عند الزعيم الأثيوبي الراحل “هيلا سلاسي” كثير سلوى وغير قليل من دعم وحماية، وبالمقابل فنشاطات الثوار الإريتريين كانت بالسودان، ومهما كان صغر الترحيب الحكومي بها لكنها على أي حال وجدت عند الخرطوم ما مكّنها من تحقيق هدفها الرامي لتأسيس دولة منفصلة عن إثيوبيا، وتذكر المرويات أن الرئيس الاريتري “أسياس أفورقي” عاش حينًا من عمره وسنوات شبابه بالخرطوم حيث استقر بحي الجريف غرب، شرقي العاصمة.
ولكن ذلك عهد مضى على أي حال، وحل عهد باتت فيه الخرطوم وأديس حليفتين، فوجدت الأخيرة في عاصمة النيلين نصيراً ولو من طرف خفي وساعدتها في ملف “سد النهضة”، وردت بلاد الزهرة الجديدة التحية وهي تمارس الحياد في حرب الخرطوم مع خصومها من حاملي السلاح، خاصة قادة قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية، الذين كثيرًا ما استعصموا بالبقاء في تلك الديار، أما جولات التفاوض بين الحكومة وحملة السلاح فلم تقم إلا على أرضها، من لدن اتفاق “نافع- عقار” وحتى الجولات التالية.
تجاذبات
يرى الخبير الدبلوماسي، د. الرشيد أبو شامة، أن وصول وفد بهذا المستوى يقوده رئيس الوزراء يعني الكثير، وقطع بأنه ينبئ بوصول العلاقات بين البلدين لحد كبير من التفاهم والتجانس، لكن أبو شامة الذي يعرف بأحد خبرات الدبلوماسية السودانية شدد على أهمية بحث قضية أراضي الفشقة التي تتعدى عليها بعض المجموعات الإثيوبية، مشيرا إلى أن هذه القضية على وجه التحديد لا مناص من حلها أولاً قبل التفكير في علاقات مستقرة بين البلدين، في وقت قلل فيه من تأثير التوجس المصري من الزيارة، لافتاً إلى أن الخرطوم أيضاً لديها معها قضية في أراضي حلايب على البحر الأحمر.
الاقتصاد والسياسة
بعيدًا عن حسابات السياسة، فإن الزيارة سيكون لها ما بعدها، خاصة أن الجوانب الاقتصادية تدعم بقوة إحداث تقارب بين البلدين ومن نافلة القول التأكيد على أن الاستثمارات السودانية في الأراضي الأثيوبية أسست لنفسها موقعاً ريادياً جعلها كثاني أكبر استثمار أجنبي في بلاد الزهرة الجديدة، حيث ينشط المستثمرون السودانيون هناك وبرأسمال يتجاوز 4 مليارات دولار في مجالات الاستثمار المختلفة مثل المصانع والمقاولات والتعليم والصناعة والزراعة والفنادق، وما ساعدهم على مزيد من التوغل في ضخ أموالهم لاستثمارها هناك جودة مناخ الاستثمار بأثيوبيا وكفاءة الخدمات الملحقة، وفي العام الماضي أشار عوض الكريم سعيد رئيس جمعية المستثمرين السودانيين في أديس أبابا أن الحصول على تراخيص الاستثمار والتراخيص الأخرى هو إجراء سلس جداً بعكس ما يحدث بالسودان مشيرًا الى وجود أكثر من (800) من رجال الأعمال السودانيين مسجلين بوزارة الصناعة الإثيوبية وهي الجهة المسؤولة عن الاستثمارات في البلاد، وبحسب قانون الاستثمار الإثيوبي فإن نحو ألف دولار كفيلة ببداية عمل استثماري هناك، وهي كافية للحصول على بطاقة مستثمر كما أن قانون الاستثمار الإثيوبي لا يعترف بالجنسية، فالمساواة بين الجميع هي الأساس في الحصول على امتياز الاستثمار هناك.
عوامل مساعدة
يذهب الخبير الاقتصادي بروفيسر ميرغني أبنعوف في اتجاه يؤدي لإمكانية أن تسهم الزيارة في إحداث تكامل تنموي بين البلدين مؤكدًا في حديثه لـ “الصيحة” على وجود قواسم مشتركة يمكن أن تؤسس لتجربة ناجحة من التعاون الاقتصادي والتنموي لافتاً غلى وجود (4) مليارات دولار هي حجم الاستثمارات السودانية بأثيوبيا بيد أنه قال: نجاح التعامل التجاري بين بلدين لا يشترط بالضرورة وجود تفاهمات سياسية ويعني بها السياسة بمعناها البعيد حيث تقاطعات المصالح وتداخل العلاقات الدولية وكذلك تأثير دول النفوذ على بعض البلدان الصغيرة، وأضاف أبنعوف يمكن تعزيز التبادل التجاري بشكل أكبر مما هو موجود الآن لكنه لن يصل لمستوى التكامل التنموي بالمناطق الحدودية على سبيل المثال لجهة أنها مناطق نزاعات، وقال إن ضمان تدفق الاستثمارات يتطلب بيئة مهيأة تماماً وهو ما لا ينطبق على الحدود بين البلدين بيد أنه عاد وأشار إلى إمكانية الاستفادة من العلاقات الاقتصادية في سيطرة كل طرف على حدوده بشكل منضبط خاصة الجانب الإثيوبي الذي تتواصل موجات التدفق السكاني منه نحو المناطق السودانية وخصوصاً منطقة الفشقة على تخوم ولاية القضارف.
ملفات حاضرة
مؤكد أن الزيارة لن تخلو من ملفات على درجة عالية من الأهمية، مع بعض التعقيدات، أولهما سد النهضة الذي تعارضه مصر فيما تعمل الخرطوم وأديس أبابا على وضع إجابات مقنعة للشواغل المصرية، وثانيهما مشكلات الحدود حيث لا يرغب الجاران في الانزلاق نحو مشكل حدودي يعكر صفو علاقاتهما، أم الملف الثالث فقنصلي بامتياز ويتعلق بأوضاع منتسبي الجالية الإثيوبية في السودان.

الخرطوم: جمعة عبد الله
الصيحة