جعفر عباس

مقارنات بين الحاضر وما فات (7)


لم يكمل حفيدي الأول شهره الثالث، ولكن هاتفي الجوال يحوي نحو 300 صورة له، أما والدته فقد خصصت جوالا كاملا لصوره، لأنها تلتقط له نحو عشر صور يوميا: شوفوا الولد ب يضحك! وطبعا هو لا يضحك في هذه السن، بل تصدر عنه أصوات عشوائية، تنم عن تفاعل مع الناس، أو ربما هي محاولات فاشلة للضحك، وهناك مئات الصور له وهو نائم ثم وهو يبكي، ويتم تداول تلك الصور على مدار اليوم بين أفراد العائلة، ويحدث أمر مماثل في جميع البيوت، حيث يقوم الناس بالتقاط صور تذكارية أو لأشياء تثير دهشتهم وإعجابهم على مدار ساعات اليقظة، وقد أثبت لي عيالي أنني أملك موهبة موسيقية، بعد أن سجلوا لي كذا شريط فيديو مصور، وأنا أشخر أثناء النوم، ونبهتني تلك الأشرطة إلى أنني أعزف/ أشخر فقط عندما أكون نائما على ظهري، ولا سبيل لبرمجة الجسم كي يستلقي على وضع يمنع الشخير أثناء النوم.

عيب تسجيل الصور بالموبايلات أو الآيباد، هو أن معظمها يتعرض للضياع إذا أصيبت تلك الأجهزة بعطل أو ضاعت، بينما، وحتى قبل عشر سنوات، كنا نطبع الصور التي نلتقطها بكاميرات ثم نحتفظ بها في ألبومات، وفي كل بيت تلال من الالبومات يجلس افراد العائلة بين الحين والآخر، لتقليبها وهم يسعدون باستحضار واستذكار مناسبة كل صورة.

هناك معاملات رسمية تتطلب منك إبراز صورة شخصية بمقاسات معينة )إجراءات الجوازات وتأشيرات دخول بلاد أجنبية(، ولكننا صرنا نقع في حيص بيص لأن جميع استوديوات التصوير التي كنا نعرفها أغلقت أبوابها، وصارت تبيع شاورما ومندي. يا حليل أيام كان الواحد منا يذهب إلى الاستوديو في كامل أناقته، ويسلط عليه المصور الأضواء الكاشفة، ثم -وكما يفعل الحلاق- يأتي المصور ليحرك رأسك بمقدار درجة ونصف الدرجة يمينا أو شمالا، ثم »تعال بكرة تلقى الصور جاهزة«.

والفرق بين الأمس الذي ليس ببعيد جدا واليوم في مجال توثيق الذكريات فوتوغرافيا، هو أن الصور القديمة لها نكهة مميزة جدا، لأنه وحتى في وجود كاميرات داخل البيت لم يكن الناس »شغالين تتتك تك« إلا على فترات متباعدة، ولالتقاط صور مرتبطة بحدث أو مناسبة أو تفاعل يستحق التوثيق، ولكن ومع كاميرات الهواتف، صار التقاط الصور ضربا من التسلية، وما من بلد في الشرق أو الغرب إلا شهد تصرفات ينبغي ان توصف بالحقارة، عندما -مثلا- يتعرض شخص لحادث مروري أو يقوم حريق في مكان ما، فيكون هم من شهد الواقعة أن يلتقط الصور كي يتباهى بأنه أول من كان هناك، وليس أن يرمي هاتفه -كما يليق بكل ذي حس إنساني- كي يقدم العون للمصاب أو الإبلاغ عن الحادث.

وكتبتُ وكتب غيري كثيرا عن أصحاب النفوس الوضيعة الذين يستخدمون هواتفهم لتسجيل خصوصيات أشخاص لا تربطهم بهم صلة في المناسبات العامة أو الخاصة، ثم القيام بنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، بل ان كثيرين يستغلون كاميرات الهواتف الذكية لالتقاط صور ثم التلاعب بها بواسطة التطبيق المسمى فوتوشوب، فيقومون مثل بتجريد فتاة محجبة من حجابها، أو تركيب رأس فتاة مستورة الراحل ومحتشمة على جسم أخرى قليلة الحياء، والمؤسف هو أن هناك مئات الصفحات العربية في فيسبوك المخصصة لنشر صور بنات دون علمهن، وكتابة تعليقات في منتهى الانحطاط اللفظي عليها.
ورغم أن تطبيق واتساب يمثل نقلة كبرى ومهمة في تاريخ الاتصالات اللاسلكية )لأنك تراسل الآخرين وتكلمهم عبره ببلاش(، فإنه صار أيضا وسيلة لتداول الصور »المُركَّبة/ المفبركة«، ولا يدرك كثيرون ممن يتلقون مثل تلك الصور أنها »كاذبة«، فيقومون بدورهم بإرسالها إلى آخرين، وفي غضون ساعة، تجد مثل تلك الصور قد وصلت إلى آلاف الناس، ولهذا صار منع ضيوف حفلات الزواج من دخول صالات الاحتفال حاملين هواتفهم، ممارسة عادية ومقبولة، ومع هذا ينجح بعض المتطفلين ذوي النوايا السيئة في تهريب هواتفهم إلى تلك الصالات )يحمل الواحد منهم هاتفين ويقوم بتسليم واحد منهما فقط عند بوابة الصالة(.

زاوية غائمة
جعفر عبـاس