تحقيقات وتقارير

“الحرمان من الدراسة” ، سلاح فتاك تشهره إدارات الجامعات في وجه طلابها

“الحرمان” من الدراسة ذلك البند القاسي في لوائح الجامعات، أصبح مؤخراً سلاحاً فتاكاً تشهره إدارات الجامعات في وجه طلابها، بعيداً عن العقوبات الأكاديمية المسلم بها في الأعراف الإنسانية، أما الفصل السياسي فبات سنّة ليست جديدة ولكنها محدثة، حيث تعرض له العشرات من الطلاب الجامعيين وأغلبهم من المنشغلين بالنشاط اللا صفي في الجامعات.
{ عقوبة جديدة
ذات نهار طلابي ساخن، كانت جموع الطلاب في جامعة البحر الأحمر في أوج ثورتها على إدارة الجامعة التي عدّوها مقصرة في شؤونهم، حيث تردت البيئة الأكاديمية للجامعة، وحال الداخليات يغني عن السؤال، مع تكدس ما يقارب(عشرة) طلاب في غرفة واحدة لا تكفي نصفهم، وتشح مياه الشرب في بدايات الصيف إلى أن تغلق الجامعة أبوابها، عقد الطلاب العزم على توصيل رسالتهم لإدارة الجامعة بعدة أساليب، حيث صاغوا مذكرة بينوا فيها مطالبهم وتحفظاتهم ولم يرحب بها مدير الجامعة السابق، وعمل على فصل ما يقارب العشرين طالباً عن الدراسة، لفترات زمنية تتراوح بين العام والعامين والفصل النهائي، بل مضى إلى أكثر من ذلك، حيث فرض غرامات مالية على كل طالب مفصول تبدأ من (70) ألف جنيه إلى (20) ألفاً، الأمر الذي وضع الجميع موضع الدهشة، فلم يكتف المدير بالمجزرة الطلابية، بل وابتدع سنّة جديدة ألا وهي الغرامات المالية لطلاب يعجزون عن سداد الرسوم المفروضة عليهم ناهيك عن مبالغ كهذه، وبعدها حدثت تغييرات في أعلى هرم الإدارة أقيل بموجبها المدير السابق ليعين خليفة له، واتضح فيما بعد أن النهج الذي ابتدعه المدير السابق، لم يكن من بنات أفكاره، إنما هو إجراء أجمعت عليه الإدارة برمتها، حيث دافع المدير الجديد بروفيسور “أحمد عبد العزيز” عن نهج سابقه، وأكد في حديثه لـ(المجهر) عبر الهاتف من مقر إقامته في بورتسودان، أن الغرامات المالية هي حجم الضرر الذي لحق بالجامعة نتيجة عنف طلابي صاحب حركة الطلبة في المطالبة بحقوقهم، موضحاً بأن قرارات الإدارة تأتي من صميم اللوائح الجامعية، متهماً الطلاب المفصولين بتمزيق كراسات الامتحانات وتدمير نوافذ القاعات وأبوابها، مما كبد الجامعة خسائر مالية ضخمة، قررت تعويضها بالغرامات المالية التي فرضت عليهم. بينما أفاد متحدث من رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين، فضل حجب اسمه، بأن الجامعة قد تردت أوضاعها في السنوات الأخيرة، وأصبحت مكاناً آخر خلا أنها جامعة، قائلا: (رفضنا عقد الامتحانات في رمضان لأن الداخلية لا توفر لنا وجبة إفطار وإن كانت بسيطة، إضافة إلى انعدام مياه الشرب خاصة في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة)، موضحاً بأن المدير السابق تمت إقالته و(لكن اعتصامنا كان مستمراً).
{ مطالب
وذهب أحد الطلاب المفصولين إلى شرح القضية بشكل أعمق، حيث أكد أن مطالب الطلاب لم تنحصر فقط في تحسين البيئة الجامعية، بل امتدت إلى المطالبة بعودة نقابة الطلاب المجمدة منذ أعوام، وتعديل النظام الأساسي للجامعة بحيث يساهم في تعزيز النشاط الطلابي الذي يتيح نهج المطالبات عبر الاعتصام السلمي عن الدراسة، مشيراً إلى أن نهج الاعتصام ينص على أن يتوقف الطلاب عن الدراسة لمدة ثلاثة أيام متوالية، بعدها يرفع الاعتصام ويجدد مرة أخرى، لكن اعتصام جامعة البحر الأحمر استمر لأسبوعين متواليين دون أن تعلق إدارة الجامعة الدراسة أو تستجيب لمطالبهم، وقال: (قمنا برفع عدد من المذكرات لعمداء الكليات لكنهم جميعهم ردوا بأن الأمر ليس من صلاحياتهم، وأن الشأن كله في يد مدير الجامعة بروفيسور “عبد الرءوف أحمد عباس” الذي رفض تسلّم مذكرتنا)، ومن ثم بعد إصرار الطلاب على موقفهم تعللت إدارة الجامعة بأن الأمر بيد إدارة الصندوق القومي لدعم الطلاب، وبعدها مباشرة فصلت (38) طالباً عن الدراسة وفرضت عليهم غرامات مالية.
{ قضايا مماثلة
بعد استقالة حوالي ألف طالب من إقليم دارفور من جامعة “بخت الرضا” بولاية النيل الأبيض، والزخم الإعلامي الذي صاحب القضية، طفت قضايا الطلاب والجامعات إلى السطح، حيث فصلت جامعة البطانة حديثة النشأة حوالي (7) من طلابها بتهم تماثل سابقتها، حيث اعتصم الطلاب وامتنعوا عن الدراسة لذات الأسباب التي فُصل بسببها زملاؤهم في البحر الأحمر، حيث أكد أحد الطلاب لـ(المجهر) أن الجامعة لا تصلح مكاناً للحياة، حيث يفتقر سكن الطلاب لأبسط المقومات، إضافة إلى عدة إشكالات تواجه مستقبلهم الأكاديمي، وواجهت إدارة الجامعة مطالبهم بقسوة غير مبررة، مؤكداً أنهم لن يصمتوا على ما حدث وسيلجأون إلى أساليب جديدة قد تصل رفع دعوى قضائية على إدارة الجامعة التي فصلت طلابها بلا وجه حق.
وأثناء الاحتجاجات الطلابية أصدرت إدارة جامعة “البطانة” قرار بتجميد النشاط اللا صفي المتمثل في روابط الكليات التي تحل محل الجسم النقابي الطلابي، بحجة أن الروابط الطلابية تعزز اتجاه الطلاب نحو الانشغال بالعمل السياسي، عندها أعلن الطلاب الاعتصام عن الدراسة، وقاموا برفع مذكرة احتجاجية لإدارة الجامعة التي من جانبها أعلنت تعليق الدراسة وفصل الطلاب، وعقّد القضية بشكل أكبر تدخُّل جهات لا علاقة لها بالجامعة واستدعت الطلاب عبر الهاتف والتحقيق معهم بمشاركة عمادة شؤون الطلاب، بعدها أعلنت فصل (21) طالباً، وأنذرت آخرين إنذاراً نهائياً.
{ حرمان
في ذات الوقت، كانت قضية طلاب جامعة “شندي” تأخذ منحى آخر، إذ حرمت الجامعة طلابها المعسرين والعاجزين عن سداد الرسوم الدراسية من الدراسة ومنعتهم من الجلوس للامتحان، وبينهم طلاب متفوقون، ونتج عن ذلك ثورة عارمة من زملائهم الآخرين، واعتصموا عن الدراسة إلى حين إعادة الموقوفين وتسوية أمورهم، وجاء رد الجامعة مفجعاً، حيث انتقت الإدارة عدداً من الطلاب النشطين في قضية زملائهم وفصلتهم لفترات متفاوتة، وأُغلق الباب أمام أي تسويات من شأنها أن تعيد للجامعة استقرارها الأكاديمي.
وقال متحدث باسم مركزية الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين، إن ما قام به طلاب الجامعة كان حقاً مشروعاً وفق لوائح الجامعة والعرف الطلابي، وكان سلمياً، وما حدث من إدارة الجامعة مثل ضرباً واضحاً لكل قيم التعليم، بفرض عقوبات لا توجد ضمن لائحة تم التوافق عليها، وهذا يعدّ استهدافاً واضحاً مبنياً على أسس غير منطقية تخدم أغراض جهات بعينها.

تحقيق- رشان أوشي
المجهر السياسي