تحقيقات وتقارير

“مطر ونيل” ليس هناك أي مظهر يشير إلى دراية حكومة الخرطوم بمدى الخطر الذي يهدد أجزاء واسعة من العاصمة المثلثة التي تحادد النيل وتنفتح عليها السماء بأمطار غزيرة

لا تُبدي حكومة ولاية الخرطوم تفاعلاً كبيراً هذه الأيام مع مخاطر فيضان النيل التي بلغت التحذيرات منه مبلغا تجاوز فيه أعتى وأعلى المناسيب التي سجلها النيل قبل مائة عام من الآن. وعلى الرغم من الإعلان التحذيري الذي دفعت به وزارة الري والموارد المائية والكهرباء أمس الأول من ارتفاع مناسيب النيل وإمكانية تأثر مناطق بولاية الخرطوم من ارتفاع المنسوب، إلا أن حكومة الولاية لم تقدم على اتخاذ أي خطوة في التسحب للفيضان، وليس هناك أي مظهر يشير إلى دراية وزارة البنى التحتية وحكومة الخرطوم بمدى الخطر الذي يهدد أجزاء واسعة من العاصمة المثلثة التي تحادد النيل في مواقع كثيرة، وتختلف الصورة عما كانت عليه في العام الماضي، حيث بدأت الاستعدادت مبكرا للتحوط لكوارث الفيضان والسيول والأمطار، بعمل مجموعة من التروس الواقية على النيل والردميات، وكان مشهد الآليات الثقيلة وهي تعمل في أرجاء الولاية ينبئ عن اهتمام ووعي بخطورة الأمر، ولكن هذا العام تغيرت الصورة وخيم الخمول على حكومة الجنرال التي يبدو أنها منشغلة بأشياء أخرى، وربما يكون التوجه الجديد الذي كشفت عنه حكومته هو السبب في غياب التحضيرات والتحوطات لمخاطر الفيضان، سيما وأنها أعلنت توجها استراتيجيا في التعامل مع قضايا الولاية وأزماتها المتناسلة، ولكن ذلك بحسب مراقبين لا يعفي حكومة الولاية من مسؤولية التعامل مع الأخطار الطارئة التي تهدد العاصمة وخاصة التي تنجم عن كوارث الطبيعة، مثل الفيضانات والسيول والأمطار وغيرها. ومن الملاحظ أن خريف العام الجاري ورغم تأخر هطول الأمطار إلا أنه قد كشف عورة الولاية وأحال الخرطوم إلى مدينة عائمة، وربما تمتد تلك الأخطار بجرفها نتيجة لفيضان النيل، خاصة بعد التحذيرات الأخيرة التي أطلقتها وزارة الري والموارد المائية في السودان لسكان الخرطوم وباقي الولايات من مخاطر حدوث فيضانات متوقعة، بعد أن بلغ منسوب مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض أعلى مستوى منذ قرون، وأعلنت الوزارة أن منسوب مياه النيلين الأزرق والأبيض في تتزايد، وبلغ أعلى مستوى له منذ قرن في الخرطوم عند (17.14) مترا، مضيفة أنها تتوقع أن يرتفع منسوب المياه أكثر، ودعت سكان الخرطوم وباقي الولايات إلى الحيطة والحذر، حيث يتوقع حدوث فيضانات في اليومين القادمين إثر ارتفاع منسوب المياه بسبب هطول أمطار غزيرة في إثيوبيا. يذكر أن البلاد تواجه سنويا فيضانات كبيرة، وكانت فيضانات 2013 أوقعت (50) قتيلا، وتعتبر هي أسوأ فيضانات شهدتها العاصمة السودانية منذ (25) عاما، ويشتكي مواطنون بالخرطوم من عدم وجود حاجز خرساني مسلح يقيها شر الأمواج التي تذهب بمدخراتها السنوية وتنتظر من الدفاع المدني القيام بواجبه، وتناشد الحكومة الإسراع في العمل قبل أن يكتمل زحف النيل إلى البيوت، وبالرغم من تكرار هذه الكوارث دورياً خاصة السيول والفيضانات، إلا أن آثارها المدمرة صارت تتفاقم في كل عام نتيجة عدم الجدية في التعامل معها بوضع الخطط والاستراتيجيات خلال مرحلة ما قبل الكارثة أو ما يعرف بالاستعداد والتجهيز والتي من شأنها دراسة التجارب السابقة وإخضاعها للتقويم، ومن ثم تلافي أوجه القصور ووضع الاحتياطات اللازمة لمواجهة هذه الكوارث بأحدث الوسائل وأنجعها، وحشد الموارد المادية والبشرية لدرئها وتخفيف آثارها السالبة ما أمكن ذلك. وتعد الأمطار الغزيرة والسيول أحد المهددات التي تؤرق المواطنين في المناطق الطرفية من ولاية الخرطوم والتي تعاني من الهشاشة والضعف في كل ناحية سواء كان ضعفا ماديا أو تنظيميا. أن السكان في مناطق كثيرة من الولاية يعانون من هذه الكوارث والتي دائماً ما تلقي بظلالها السالبة على أمنهم وسلامتهم في سكنهم ومعاشهم وضياع ممتلكاتهم، ويدعو لضرورة معرفة الأخطار التي يمكن أن تحيق بالمجتمع أو المناطق التي تتعرض لهذا النوع من الكوارث، والسعي إلى إخراجها من هذه الدائرة المدمرة بوضع الخطط التنموية الكفيلة بتعظيم نقاط القوة والحد من نقاط الضعف التي من شأنها الوقاية والتخفيف من هذه الآثار السالبة، وكذلك المساعدة في تلمس الاحتياجات الآنية والمستقبلية عند وضع خطط إعادة الإعمار أو البناء واستمرار الجهود الرامية إلى التنمية المستدامة في مناطق الهشاشة أو المناطق التي وسبق أن تعرضت لكوارث السيول بالولاية، سيما وأن مناطق كثيرة من الولاية تعاني من الضعف، وينبغي على حكومة ولاية الخرطوم أن تنتبه لمستوى الخطر الذي يحدق بالولاية، وأن تخرج من حالة اللامبالاة التي تتعامل بها مع الفيضان بالتحسب للموجة القادمة والتي يمكن أن تقفز بمستوى منسوب النيل الأزرق إلى ارتفاع يجعل المياه تدخل مكتب الوالي المقابل للنيل في الخرطوم، كما أن الالتزام بالعمل الاستراتيجي لا يعني بأي حال من الأحوال ترك الأوضاع على ما هي عليه، فالاكتفاء بإطلاق التحذيرات للمواطنين وحده لا يكفي ولن ينجي من الخطر الذي يستدعي التحرك قبل حدوثه بتوجيه الآليات لإقامة التروس وسد المناطق المنخفضة التي تعبر منها مياه النيل، فهل يفعلها الوالي أم أنه سيتمسك برؤيته المتعلقة بعدم التعامل بالحلول الإسعافية وعدم إرهاق الميزانية حتى وإن أدى ذلك لكارثة طبيعية.

الخرطوم – مهند عبادي
اليوم التالي