بين المهدي وعرمان.. اللهم لا شماتة !
سعدتُ أن الإمام الصادق المهدي اقتنع أخيراً بانتهاء دور عرمان بعد انقلاب الحلو الذي يبدو أنه اقتنع أخيراً بحتمية تغيير وجهته ليُدشّن بداية مرحلة جديدة من (النضال) يعلو فيها صوت شعب جبال النوبة الذي لطالما كتمه قرنق وأولاده يوسف كوة وعرمان وغيرهما، وينحسر مشروع السودان الجديد الذي سُخّرت له بندقية مقاتلي جبال النوبة الذين ظلوا يبذلون الدماء الغالية وتتعرّض مناطقهم لحرب ضروس دمّرت منشآتهم وخرّبت ديارهم وحرمت المواطنين من الخدمات والعيش الكريم في سبيل مشروع لا ناقة لهم فيه لا جمل.
إذن فإنه قد آن الأوان للحلو أن يتّعظ من خطأ عرمان القاتل، ويعلم أن شعب جبال النوبة ومقاتليه ما أطاح الرويبضة من قيادة الحركة الشعبية إلا لأنه لم يكُن يصدر عن قضيتهم، إنما كان يعمل من أجل مشروع السودان الجديد الذي ابتدعه قرنق لخدمة قضية جنوب السودان من خلال الوحدة المشروطة بإعادة هيكلة الدولة السودانية بما يُمكِّن الجنوب من حكم السودان أو الانفصال الذي يخدم الجنوب ويقيم له دولته المستقلة. أما النوبة فقد سُخِّروا من قبل قرنق ومن خلال أتباعه من أبناء النوبة بقيادة يوسف كوة لخدمة ذلك الهدف الأناني الذي خادَع به أبناء النوبة وقتل الآلاف من أبنائهم ودمّر بلادهم وشرّد نساءهم وأطفالهم.
لم يُطِح النوبة عرمان أو عقار لأسباب عنصرية عرقية جراء عدم حمله جيناتهم بدليل أن الحلو نفسه لا ينتمي عرقياً للنوبة، ولكن لأنهم اقتنعوا أخيراً بعد صبر طويل أنهم أوجفوا خيولهم في باطل سِيقوا إليه وكأنهم عميان وأهدروا دماءهم في سبيل مشروع لا علاقة له بقضيتهم.
كان القائد تلفون كوكو وقلة قليلة من أبناء النوبة هم الذين اكتشفوا تلك الخدعة في وقت مُبكّر ودفعوا ثمن تصدِّيهم لمشروع السودان الجديد سجناً وتنكيلاً وإبعاداً عن القيادة فها هو تلفون كوكو يكشف لصحيفة (الصيحة) أنه منذ أن قرأ مانفيستو الحركة الشعبية في يناير 1985 في إثيوبيا، أي بعد أقل من سنتين من إنشاء الحركة الشعبية، ظل يرفض ويعارض ما سمَّاه (الجزء التالف الفاسد) من مشروع السودان الجديد الذي وصفه بالشق الأيديولوجي المتمثِّل في الاشتراكية والشيوعية. فقد قال تلفون كوكو عن ذلك: (وجدنا أنها بضاعة نتنة فاسدة لا تصلًح معنا)، وشن كوكو هجوماً شديداً على الحلو الذي قال إنه هزم مشروع الحركة الشعبية حين تنازل بدون أدنى مبرر عن القيادة لعقار وعرمان مما مكَّنهُما من اللعب بمصير شعب منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق وتسخيره من أجل حل مشاكل كل السودان وفقاً لرؤيتهما، وليس من أجل قضية شعبي المنطقتين اللذين ناضلا من أجل حقوقهما وليس من أجل حقوق الشعب السوداني. ووصف كوكو عبد العزيز الحلو بأنه ليست له أية رؤية لقضية جبال النوبة، أما يوسف كوة فقد وصفه كوكو بأنه (انتهازي استغل أبناء جبال النوبة لخدمة قضايا شعوب أخرى)، مضيفاً أن كوة اعتقل القوميين من قيادات أبناء النوبة في الحركة الشعبية وأرسلهم إلى معتقلات الجيش الشعبي في جنوب السودان، حيث لقوا جميعهم مصرعهم في جنوب الباريا عام 1994.
نحمد الله أن المهدي اقتنع أخيرًا بأن عرمان لم يعُد له أي دور في قضية المنطقتين اللتين كان يتولى التفاوض بالنيابة عنهما منذ ما قبل إبرام الاتفاق الكارثي المعروف باسم (اتفاق نافع عقار) والذي سمّيناه وقتها بـ(نيفاشا تو) أو (نيفاشا الثانية) التي أفلح عقار وعرمان عبرها في توظيف قضية المنطقتين لإحداث اختراق وكسب سياسي كبير لمصلحة الحركة يمكنها من المشاركة في حكم السودان ووضع حجر الأساس من جديد لمشروع السودان الجديد في السودان بعد ذهاب الجنوب، فقد أعلن المهدي على رؤوس الأشهاد في حواره مع (اليوم التالي) أن قيادة الحركة الشعبية آلت إلى الحلو، فقد كتبت الصحيفة على لسانه بالخط العريض أن الحلو هو (الممثل الوحيد للحركة الشعبية) وأنه تواصل مع الحلو هاتفياً حول العلاقة المستقبلية، فالحمد لله الذي أقنع المهدي بعد تردُّدٍ طويلٍ وبعد أن (فترنا) ونحن نحذّره من عرمان الذي يعلم المكر الذي ينطوي عليه والكيد الذي ظلّ يُضمره نحوه خاصة خلال سني الحرب الطويلة قبل الإنقاذ، وكذلك قبل نيفاشا، وما المكاتبات الحاقدة التي وجهها قرنق وعميله منصور خالد إلى المهدي إلا مثالاً لذلك العداء الذي كان عرمان وسيده قرنق يضمرانه له، وما تسريب الفيديو الذي صدر عن مبارك أردول الناطق باسم عرمان عن زواج المتعة التكتيكي القصير الذي أُبرم مع المهدي والعلاقة الاستراتيجية بين عرمان وكل من أبوعيسى وعبد الواحد محمد نور إلا دليل ساطع على ما ظللنا ندندن حوله.
حتى عرمان الذي ظل طوال عمره يتلقى اللطمات تلو اللطمات أصيب بإحباط عبّر عنه بكلمات حزينة قال فيها (إن رؤية السودان الجديد التي أعلن عنها قرنق تقف في مفترق الطرق شمالاً وجنوباً وتواجه تحديات وصعوبات كبيرة)، مبيناً أنها أمام خيارين لابد أن ينتصر أحدهما، فإما أن تصعد نحو ميلاد ثانٍ أو يصيبها الجمود)!
إذن فإن عرمان يتحدث عن صعوبات وتحديات كبيرة، بل عن ميلاد ثانٍ للمشروع بما يعني أن المشروع الأول قد مات وقُبِر إلى غير رجعة، وأنه لا أمل له إلا من خلال ميلاد جديد بتصُّور آخر أو أنه سيظل ميتاً إلى يوم يبعثون!
أقول ناصحاً عرمان إن عليه أن يثوب إلى رشده ويُقلِع عن إلحاق الأذى بالسودان مجدداً، فكفاه ما اقترفه في حق وطنه وشعبه، وأود أن أذكِّره بأننا في منبر السلام العادل نحمد الله أننا واجهنا المشروع وظللنا نشن عليه الحرب في مختلف أطواره.. كلما حاول إحداث اختراق نُعاجِله بطعنة نجلاء جديدة وما نيفاشا ثم الفترة الانتقالية والانتخابات وتقرير المصير وبعد الانفصال الحريات الأربع ثم اتفاق نافع عقار ثم ميثاق الفجر الجديد، إلا أمثلة للأطوار التي حاولت الحركة الشعبية من خلالها تحقيق رؤيتها التي ظللنا نتصدى لها حتى أرديناها بعونه تعالى قتيلة، فالحمد لله رب العالمين.
المُحبَط الآخر مالك عقار، في تأكيد لمقولة عرمان بأن الحركة قد ماتت وأنها تحتاج إلى ميلاد جديد قال، فض فوه ودمر تدميراً: (نعمل لبناء حركة جديدة تشاركنا رؤية السودان الجديد)!
أقول لعرمان وعقار: الأيام بيننا فأمثالكما لا يحق لهم إلا التوبة على ما اقترفوه في حق الوطن والشعب ولن نسمح لحركتكما بميلاد جديد وفينا عين تطرُف.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة