تحقيقات وتقارير

تبقى شهر.. رفع العقوبات.. الحجيج لما وراء المحيط

اقل من شهر؛ وتقول ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب قولتها في امر رفع العقوبات عن السودان بصورة كاملة من عدمه، ولذا كان من البدهي جداً أن تنخرط الدبلوماسية السودانية ونظيرتها الامريكية في لقاءات مكثفة تسبق القرار. وابتدر وزير الخارجية إبراهيم غندور يوم (الاربعاء) زيارة للولايات الامريكية طابعها دعوة رسمية من وزارة الخارجية للمشاركة في اجتماعات الدورة (72) للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي خصيصتها اجراء مقابلات مع الوزير السوداني ونظيره الامريكي، وقيل دونالد ترامب شخصياً. وفي المقابل يصل هذا الاسبوع وفد امريكي يضم ثلاثة اعضاء رفيعي المستوى يمثلون هيئات كبيرة داخل الكونجرس الامريكي في زيارة إلى العاصمة الخرطوم. اللافت وجود تقارب، وان لم يكن حالة من التطابق بصورة كبيرة في برامج الزيارتين لوزير الخارجية بروفيسور غندور ووفد الكونجرس باشتمالها على لقاءات، ومشاورات سياسية، واقتصادية، وملفات حقوق الانسان. اذ عقد غندور لقاءات وزارة الخارجية، والخزانة الامريكية، واعضاء في الكونجرس، كذا من المقرر ان يلتقي وفد الكونجرس بوزير المالية السوداني، ورئيس المجلس الوطني.

الشخص المناسب
تبرز تساؤلات كثيرة حول مدى انعكاس تلك المشاورات واللقاءات على احراز اختراق القضايا الثنائية محل اهتمام البلدين، خاصة وقد تبقت أيام من موعد المضروب على قرار البت في الرفع النهائي للعقوبات.

وفي جانب مقدرة غندور على احداث اختراق في زيارته، في ظل تعطيل اللجنة المشتركة بين البلدين، اكد الخبير في العلاقات السودانية الاوروبية والامريكية د.حسين كرشوم لـ(الصيحة) ان غندور لديه المقدرة على ذلك من خلال علاقاته مع عدد من الشخصيات المؤثرة في القرار الامريكي، والتي تعود لفترة ماضية. قبل ان يكون وزير خارجية ابتدرها عندما كان رئيس قطاع العلاقات الخارجية، ورئيس اتحاد عمال السودان، وعبرها اقام صلات وعلاقات واسعة جدا، وهو الان يوظف هذه العلاقات في تعامله مع الادارة الامريكية، واستبق ذلك بالتمهيد بلقاءاته التي تمت في اوروبا، وهذا جعل فرص نجاحه في احداث اختراق داخل مجموعات صنع القرار في امريكا.

هذا في وقت لم تتكون فيه حكومة ترامب ادارة معنية بملف السودان حتى الان، والذي هو ضمن الادارة الافريقية التى لم تتشكل بعد، وبالتالى اصبح المبعوثون السابقين – والكلام لكرشوم – هم الذين يستعان بهم في ملف السودان على المستوى الشخصي، وليس الرسمي. والجيد في هذا ان كل هؤلاء المبعوثين تقييمهم ايجابي لموقف السودان في الملفات الخمس، وهذا يرفع من حظوظ نجاح غندور في إحداث تقدم في ملف الرفع الكامل للعقوبات.

مرونة
ذهب في هذا المنحي رئيس لجنة قضايا الحكم في الحوار الوطني بروفيسور بركات موسى الحواتي في حديثه مع (الصيحة) الى ان زيارة وزير الخارجية هذه ترمي لتليين موقف فيه تصلب لدرجة كبيرة، لذلك بالضرورة ان يكون فيها تمثيل للاجهزة الامنية المعنية بالمتابعة والمراقبة والتقييم. مشيرا ان ترامب المشهور عنه انه شخصية مزاجية والمعلومات تفرض نفسها عليه في اللحظة المعينة، وليس عن طريق الدراسات والعمل المؤسسي، لكن في النهاية هي مسألة مترتبطة بالجهد السوداني ومقدرته على اختراق مجموعات الضغط الموجودة داخل امريكا. سواء ذات الطابع السياسي، ممثلة في الكونجرس والاجهزة التي تؤثر فيه، وهناك وزارة الدفاع. لكن لدينا ثقة في شخصية غندور الذي لديه مقدرة كبيرة في الصبر بالمحاولات المعمقة، ولديه حضور في التفاوض، اكتسبه بتجربته الطويلة في هذا المجال. لكن واضح ان السيطرة على ملف رفع العقوبات من عدمه تكاد تكون بكاملها لدى الرئيس الامريكي ترامب رغم اعتماده على مراكز الاستشارات التي حوله.

زيارة طيبة
اعتبر الحواتي زيارة وفد الكونجرس خطوة ايجابية كبيرة، لانها تهدف للوقوف على الوضع ميدانياً، وهذه طريقة اجدى، لانها تعطى الحقيقة مجردة على الارض، بدلاً من طريقة الاعتماد على المعلومات والتقارير.

ويرى د.كرشوم ان زيارة وفد الكونغرس تأخذ اهميتها من التأثير الكبير للكونجرس في القرار الامريكي، خاصة وان مقترح تأجيل رفع العقوبات كان بمقترح من مذكرة اعضائه، لذلك تأتي زيارة الوفد في اطار ما يعرف بالنظرة الاخيرة، وهؤلاء رؤساء بالتأكيد قادمين للتحقق من التحسن الذي طرأ الملفات الخمس.

نبه الحواتي الى انه لحظ خلال زيارة الاخيرة لامريكا التي عاد منها قبل ايام هناك غياب من قبل الاجهزة في الحكومة السودانية المعنية بمتابعة مسألة رفع العقوبات وتقييم الاجراءت المتعلقة بها، خاصة في جانب احداث اختراق في مراكز البحوث الامريكية المعنية بصناعة القرار، وهذا يشكل عنصرا اساسا في تغليب كثير من الاراء، وهذا يجعلنا نتساءل الى أي مدى التزمت السودان بالنقاط الخمس التي تم الاتفاق عليها.

سر التوقيت
وفي جانب تزامن رفع العقوبات مع انعقاد الجميعة العمومية لمجلس حقوق الانسان، قال كرشوم ان امريكا عضو في مجلس حقوق الانسان، وهي جزء من اللجنة المصغرة المعنية بملف حقوق الحقوق في السودان، وهي واحدة من الجهات التي تقرر في وضعية السودان. صحيح؛ ليس هناك مجال لاستخدام حق الفيتو، لكن امريكا لديها دور كبير جداً في توجيه هذه اللجنة، وبالتالى تزامن انعقاد الجمعية العمومية لحقوق الانسان مع توقيت رفع العقوبات لم يات مصادفة، لان سجل حقوق الانسان كان ضمن الملفات الخمسة المطلوب العمل فيها لرفع العقوبات.

ويقول الحواتي ان الاستفادة من هكذا تزامن وعدمه يتوقف على تقرير السودان الذي يقدمه، ومدى الشفافية التي فيه. واضاف ان التوقيت الزيارة واضح، وكان مرتب له بالتزامن مع الجمعية العمومية للامم المتحدة، لانه يوفر فرصة اللقاء بعدد وافر من الاطراف المعنية بالملف في مكان واحد في زمن واحد. وهذا قد لا يتوفر غير في هذا المحفل. وهناك تريبات واستعدادات. متسائلاً عن الملفات التي حملها غندور في زيارته هذه. وابدى امله ان تكون متكاملة، ليس على مستوى السودان فحسب، وانما الولايات المتحدة الامريكية، لتعدد تيارات الضغط داخلها، والتي منها ما هو متحمس لرفع العقوبات، ومنها ما هو ضد الرفع. وهذا ما يكسب هذه زيارة اهمية في توقيتها.

ويبقى؛ هل سينجح غندور في حمل الادارة الامريكية للايفاء بوعدها، وينال السودان مبتغاه في الرفع النهائي للعقوبات، وهو من قال بعد التمديد الاول (نحن لا مضايقين، ولا نفسنا قايم، ولا متهورين، ولن نشتم احداً، وسنمارس حقنا كدولة ذات سيادة، لها حق في رفع العقوبات كحق اصيل بنص مواثيق الامم المتحدة).

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة