الرئاسة تضع شرطاً جديداً لبقاء الولاة في مواقعهم
بعث “حسبو محمد عبد الرحمن” نائب رئيس الجمهورية، برسائل بريد صوتي لـ”عبد العزيز آدم الحلو” رئيس الحركة الشعبية الجديد، وتجاهل “ياسر سعيد عرمان” المنشق عنه في آخر تجليات نسخة الحركة الشعبية الجديدة، وأختار “حسبو محمد عبد الرحمن” كلمات مقتضبة ومباشرة غداة وصوله مدينة كادقلي.. حث فيها الجنرال الصامت “عبد العزيز الحلو” بالمساهمة في السلام بقبول مبدأ التسوية والدخول مباشرة في مفاوضات مع الحكومة لوضع حد لمعاناة المواطنين، وجعل حملة القضاء على السلاح شاملة.. وجاءت دعوة بعد وصوله مدينة كادقلي التي استقبلته من غير عادة منطقة تدور فيها الحرب منذ ست سنوات بزيارة القرية السياحية والتراثية التي أنشأتها حكومة الجنرال “عيسى أبكر” كامتداد للقصر الذي شيده الراحل “محمود حسيب” وجاء من بعده مولانا “أحمد هارون” بتشييد الحديقة النباتية التي أصبحت اليوم قرية تراثية سياحية تمتد من وادي كلياء وحتى قمة جبل (كلمو) قطاطي خرصانية بديعة المنظر.. تتسع لعدد أكثر من مائة ضيف.. ورقصات الكمبلا والنقارة وتمازج النوبة والحوازمة يضفي على تراثيات المنطقة أبعاد جمالية.. ترمز فعلياً لمقولة الشاعر “إسماعيل حسن” نحن عرب ممزوجة بي دم الزنوج، واختارت حكومة جنوب كردفان استقبال الضيف “حسبو” بطريقة جديدة.. لم تحشد القوات النظامية أو تستحضر أصحاب الأصوات العالية للهتافات التي أصبحت باردة وماسخة ورتيبة تبعث الملل في النفوس، فالرقصات الفلكلورية من الفتيات الصغيرات والنساء فارعات الطول بوجههن التي يشع منها الضياء والبريق في تفاصيل ما بيدها من قرارات وتوجيهات حيث تأخرت زيارة اللجنة لجنوب كردفان لتصبح آخر المحطات في الولايات الثمان المستهدفة أولاً بجمع السلاح.. وقبل وصول اللجنة إلى كادقلي كان القلق يسيطر على الشارع العام في الولاية التي جعلتها الحركات المسلحة مسرحاً للعمليات العسكرية وميداناً للصراع السياسي المسلح بين الحكومة وفرقائها من القوة الخشنة.. وبدأ التساؤل كيف يتم تجريد المواطنين من أسلحتهم التي تمثل ضمانة لوجودهم على قيد الحياة.. وقد ابتهجت معسكرات الحركة الشعبية بمجرد إعلان الحكومة عن نزع سلاح المواطنين وتوعدت من تصدوا لها طوال سنوات الصراع بأن موعد مغادرتهم لجبال النوبة قد أزف وبيارق نصر التمرد قد ترفرف قريباً في كل مكان.. بل أخذ التحريض يتسلل.. والخوف يسيطر على المواطنين بأن تجريدهم من قوات الدفاع الشعبي التي نشأت أول الأمر في كادقلي قبل وصول حكومة الإنقاذ إلى السُلطة كضرورة مجتمعية حتى يتصدى المجتمع للتمرد بسواعده ومساندة القوات المسلحة.
وإذا كانت الحكومة قد بررت أسباب تجريد قوات الدفاع الشعبي من أسلحتها وضبط سلاح كل القوات النظامية ووضعه في مخازن السلاح بانتهاء الحرب والنزاعات فإن الحرب في جنوب كردفان لا تزال تستعر والهدنة التي أعلنها الرئيس وتبعه الجنرال “عبد العزيز الحلو” ما هي إلا هدنة مؤقتة.. وسلام هش بحسن النوايا ومقتضيات الواقع التي فرضت على الجنرال “الحلو” تهدئة جبهة العمليات خوفاً من الهزائم في الميدان قبل حسم صراعه مع فرقائه “عقار وعرمان”.. وبالتالي يصبح تجريد الدفاع الشعبي من سلاحه في جنوب كردفان بمثابة السير على حافة الهاوية.. أما المبرر الثاني الذي جعل الحكومة تقرر نزع السلاح هو الاستخدام الخاطئ للسلاح وتفشي الصراعات القبلية.. الأمر في جبال النوبة أو جنوب كردفان مختلف جداً أكثر من خمسين عاماً ولم ينشب صراع قبلي في جنوب كردفان وقد وحدت محنة الحرب بندقية الجميع وجعلت العدو المتربص بأمن البلاد واستقرار الإقليم هو من توجه إليه البندقية.. ورغم استمرار الحرب كل هذه السنوات وسعي الحركة الشعبية الدءوب لتحوير الصراع وجعله صراعاً إثنياً بين النوبة وأبناء بنات النوبة من القبائل العربية، إلا أن الوعي والإرادة المجتمعية قد عصمت المنطقة من الانزلاق في مستنقع الصراعات الإثنية.. وربما كانت لدعوات الشيوخ الصالحين في الليري حيث خلاوى الشيخ “البرناوي” وفي العباسية حيث خلاوى “أم مرح” والشيخ الراحل “أحمد أبو فلج” وخلاوى الشيخ “هاشم السنوسي” الخزامي في السنجكاية وخلاوى الشيخ “مختار” في الكرقل، السبب في عصم جبال النوبة من محرقة الموت الجماعي وربما كانت لتعاويذ كجور النتل.. وتندية دوراً في حث الناس لقبول بعضهم البعض، وربما أجراس الكنائس في عبري وكركراية البيرية وكنائس كاتشا للقس “بطرس شوكاي” والد “تابيتا” الأثر في تحريض الناس على نبذ الفرقة والشتات.
دخلت لجنة الأمن الولائية لاجتماع اللجنة العليا لجمع السلاح وهي على اتفاق وتنسيق دقيق الشرطة تعزز رؤية استخبارات الفرقة وجهاز الأمن بسند رؤية الجيش.. ولم يمضِ وقت طويل حتى خرجت اللجنة العليا بقرارها القاضي بجمع السلاح بيد المواطنين من غير منسوبي الدفاع الشعبي، ووضعت اللجنة ضوابط خاصة لحمل السلاح في مناخ الحرب.. وإغلاق المعابر الحدودية والاتفاق على خطة احترازية للحيلولة دون دخول السلاح من غرب كردفان وشمال كردفان، ومن دارفور ومن جنوب السودان خاصة بعد أن تواترت معلومات عن قيام بعض المواطنين بالبحث عن مشترٍ للأسلحة التي بيدهم كما ورد في تقارير لجنة أمن ولاية غرب كردفان.. ولجأت مجموعات لدفن الأسلحة في باطن الأرض.. بينما النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” يتوعد هؤلاء بوصول أجهزة كشف حديثة عن الأسلحة يصل مداها لأكثر من خمسين متراً داخل أعماق الأرض.. وفي اللقاء الذي احتضنته أمانة الحكومة بكادقلي وكان حشداً كبيراً من فعاليات القوى السياسية والاجتماعية تحدث “حسبو محمد عبد الرحمن” بارتياح وشهية مفتوحة ليقارب ويقارن بين زيارات قام بها لجنوب كردفان وهي تستعد لتطبيق اتفاقية سويسرا.. وأخرى أثناء سنوات الشراكة بين الوطني والشعبية، وزيارات كادقلي تحت القصف واليوم تستقبله كادقلي في القرية السياحية التي تنتظر مواسم سياحية لم تأتِ بعد.
{ الفولة..
اختار “حسبو محمد عبد الرحمن” قيادات يمثلون أبناء قبيلة المسيرية في رحلة البحث عن حل لقضايا الصراعات القبلية والتي تم التوصل لمصالحات بين أبناء العمومة المتنازعة، ولكن بقيت الديات واستحقاقات المصالحات عالقة تهدد السلام الهش بين القبائل، إذا كانت الطائرة الرئاسية قد اتسعت فقط لأعضاء اللجنة العليا لجمع السلام وهم الفريق “علي سالم” وزير بالدفاع والفريق “عبد الفتاح البرهان” نائب رئيس أركان القوات البرية، والفريق “أحمد عبد الله النو” والفريق شرطة “كمال عبد المنعم” واللواء “صلاح فتح الرحمن” مدير إدارة أمن الولايات واللواء “عمر عثمان الزمزمي” قائد ثاني قوات الدعم السريع ومولانا “عمر أحمد” النائب العام واللواء “البشير الطاهر البشير” مدير شرطة الجمارك واللواء د.”عبد الهادي عبد الله” ممثل وزير الدفاع، فإن طائرة فوكرز أخرى قد وصلت إلى مطار بليلة تقل وفداً لقيادات المسيرية بقيادة الدكتور “عيسى بشري محمد” عضو المكتب القيادي والوزراء السابقين د.”عبيد الله محمد عبيد الله” ود.”حسين حمدي” والفريق “مهدي بابو نمر” وعضو البرلمان “حسن صباحي” و”الخير الفهيم المكي” ووالي غرب كردفان السابق اللواء “أحمد خميس بخيت”.. وشكل هذا الوفد طيف واسع لبطون المسيرية من أجل الحضور شهوداً لحدث طال انتظاره وسعى النائب “حسبو” بجدية وصبر للوصول للحظة تسليم بطون المسيرية (أولاد عمران والزيود) مبلغ (8) مليارات جنيه، عبارة عن القسط الأخير لديات قتلى نزاع البطنين قبل سنوات وأرغم “حسبو” المسيرية على دفع المبلغ دون أن تنفق الدولة جنيهاً واحداً في سداد الديات خلافاً لما كان يحدث في دارفور وأدى لتفاقم الصراعات القبلية.. وفاضت مقل الرجال بالدموع لحظة استلام (الأميرين) السابقين الأمير “القوني” عن الزيود والأمير “إسماعيل حامدين” عن أولاد عمران، لتطوي ولاية غرب كردفان أكثر النزاعات القبلية مرارة وأشدها فتكاً بأرواح المواطنين، وفي عشية (الأحد)، كان مقرراً عقد لقاءً للفعاليات السياسية بمنزل والي غرب كردفان الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” الذي عرف كيف ينسج خيوط المصالحات القبلية، وحينما بدأت جموع قيادات الفولة عاصمة الولاية في أخذ مقاعدها في الساحة التي تزينت ببعض الشعارات.. كان للسماء قراراً بفض الاجتماع حيث أرعدت وأبرقت المدن ليلاً.. وهطلت الأمطار الغزيرة.. لتغسل شوارع المدينة التي شيدت في عهد جنوب كردفان الموحدة وبأموال البترول التي كانت تمثل رقماً هاماً في تنمية المنطقة.. ومن المفارقات في لقاء القيادات ومواطني الفولة الذي أقيم في مسرح المدينة بمناسبة عرض عدد (5) آلاف قطعة سلاح جمعتها حكومة غرب كردفان من مواطني محليات الولاية الشمالية، لتسجل غرب كردفان أعلى نسبة جمع سلاح من بين الولايات الثمانية المستهدفة، وقد ربطت الحكومة نجاح الولاة في كردفان ودارفور وبالتالي بقائهم في مواقعهم أو ذهابهم بقدرتهم على جمع السلاح من المواطنين، في ذلك اللقاء طالب الأمير “إسماعيل حامدين” أحد الرجال الشجعان القادرين على قول ما يؤمن به ويعتقد أنه الصواب دون النظر لحسابات تبعات ما يقول، طالب بزيادة نصيب الولاية من البترول إلى (10%) بدلاً عن (2%) وكان مثل هذه المطالب تثير غضب د.”عوض الجاز” وحساسية الحكومة المركزية.. إلا أن “حسبو محمد عبد الرحمن” عرف كيف (ينفس) بالونة “إسماعيل حامدين” وعلى القول الشعبي (كسر الدش بين يديه) وقال العشرة في المائة قليلة الحكومة مستعدة أن تمنح غرب كردفان أضعاف ما تطلبون فقط (أعطونا الأمن نمنحكم ما تطلبون).
{ في عز الليل أنا مساهر
بعد أن قالت سماء الفولة كلمتها وفضت اجتماع قيادات الولاية بنائب الرئيس.. عقد الأستاذ “حسبو محمد عبد الرحمن” بحضور الوالي “أبو القاسم الأمين بركة” اجتماعاً ضم قيادات المسيرية من الدستوريين السابقين حيث تناقص مشاركة هذه الولاية ولم يتعدَ تمثيلها وزيراً وحيداً الفريق “حامد منان” لذلك تضاعف أعداد الوزراء السابقين وكان في ذلك الاجتماع أربعة منهم يجلسون على كرسي الانتظار الفريق “مهدي” والدكاترة الثلاثة “عيسى بن بشري آل محمد” ود.”حسين حمدي” ود.”عبيد الله محمد عبيد الله” إضافة لـ”الخير الفهيم” وفاكهة الرجل رجل الأعمال الإنسان “حسن صباحي”.. اعترف نائب الرئيس بأن الوقت الذي خصصه لغرب كردفان قد أهدر في البحث عن حلول لقضايا النزاعات والصراعات التي أقعدت عملاقا اسمه غرب كردفان وحالت دون تقدمه.. وقال “حسبو” وهو يحاور قيادات المسيرية قبل أن ينضم إليهم الناظران “عبد المنعم الشوين” ناظر عموم المسيرية الفلايتة.. والناظر المثقف الشاب خريج كلية الاقتصاد “الصادق الحريكة عز الدين” ناظر عموم المسيرية الزرق والأمير “إسماعيل حامدين” وتقرر في الساعة الثانية والنصف من صباح (الإثنين)، (سهرنا الليل وكملناه) أن ينعقد ملتقى لبطون المسيرية من أولاد “عمران” والزيود خلال شهر من الآن ولكن بهدف المسح على الجراح التي اندملت ودفع ديات القتلى من الطرفين في الأحداث التي أعقبت مؤتمر الصلح بالنهود.. وكيفية دفعها.. أما في المسار الثاني الذي قرر النائب “حسبو محمد عبد الرحمن” إحياء العملية التصالحية فيه وهو نزاع أولاد “هيبات” وأولاد سرور”.. ثم الاتفاق على دفع ما تبقى من الديات عاجلاً قبل حلول الثلاثين من أكتوبر القادم وتعهد نائب الرئيس بزيارة الولاية الشهر القادم لأن الصراعات القبلية هي أكبر (معيق) لجمع السلاح الذي التزمت الحكومة بالمضي فيه مهما كلف ذلك من ثمن.. وقال نائب الرئيس إن ضحايا النزاعات القبلية من بطون المسيرية يعد إضعاف ضحايا الصراع مع التمرد وفي أبيي وقال إن مجاهدات المسيرية ودورهم محفوظ وتعهد باستيعاب وتجنيد منسوبي الدفاع الشعبي في القوات المسلحة والدعم السريع، وعندما كانت الساعات الأولى من الصباح تطرق أبواب الاجتماع المطول.. انفض الجمع على وعد باللقاء وانتهت الزيارة الثانية لنائب الرئيس لولاية غرب كردفان.
يوسف عبد المنان
المجهر السياسي