جعفر عباس

هل تقبل التحدي وتلمسها؟


هناك عرب أشاوس يبذلون كل جهد ممكن لإثبات أننا أمة قادرة على مواكبة العولمة ومجاراة الغرب في كل الميادين، ونلمس ذلك في قصات الشعر وإبداء الإعجاب بالموسيقى الأمريكية، ولا نلمسه في التفاني في العمل وحب المعرفة والبحث العلمي، ولكن أسخف من قابلني من المتعولمين بيت أزياء في منطقة الخليج قام قبل سنوات بحملة ترويج وتسويق عباءة نسائية تحمل عبارة )أتحداك تلمسني(، وتكملة العبارة قد تكون )المسني وبعدين تشوف وش يصير فيك( وربما )إذا لمستني تثبت أنك شجاع(.. )تلمسني؟ عادي.. ما فيها شيء أنا مو معقدة(.

أرجو من القارئ أن يرفع قبعته بأثر رجعي احترامًا لمصمم الأزياء هذا، وبما أنني أخاطب قراء »متخلفين«، لا يستخدمون القبعات، فإنني أدعوهم الى رفع نعالهم موديل عام 2000 تحية لأمثال مصمم هذه العباءة. تخيل أنك مررت بفتاة تلبس عباءة أو تي شيرت عليه عبارة )أتحداك تلمسني( فماذا يكون رد فعلك؟ وجهت هذا السؤال الى خمسة شبان يعملون معي، فقال واحد منهم )متطرف( إنه سيبصق عليها، وقال ثلاثة إنهم سيكتفون بإلقاء نظرة احتقار عليها، بينما قال الخامس إنه سيلمسها، هنا صاح المتطرف: مالت عليك أنت وهي.. اثنينتكم )كلاكما( قليلين حياء، فدافع الشاب عن نفسه بقوله إنه سيلمسها ليؤكد لها فقط أنها تلبس تلك العباءة لتحريض الشباب على لمسها ومعاكستها.. فسأله المتطرف: أهه تأكدت إنها تبي )تريد( اللمس؟ أجاب الشاب الهباش: بعدها اقترح عليها أن تلبس عباءة عليها عبارة صريحة: المسوني يا ناس.. لمسة يا شباب.

كما أذكر كثيرا في مقالاتي هنا فمن بين صفاتي الجميلة القليلة، قدرتي على الوقاحة في وجه من يستحقون المعاملة الوقحة. أذكر أن شابة إنجليزية كانت تدرسنا جوانب من الإخراج التلفزيوني في لندن في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وذات يوم جلست أمامنا بتنورتها القصيرة واضعة رجلاً فوق رجل. ولاحظت أنني أنظر إلى ساقيها نظرة ذات معنى فبدا الاستياء على وجهها وخرجت من القاعة، واستدعتني لتسألني لماذا أنظر إلى ساقيها الملتفتين بدلاً من التركيز على ما تقوله، فقلت لها: أفعل ذلك من باب الأدب والمجاملة، فأنت تلبسين تنورة قصيرة لكي تكشف عن ساقيك وفخذيك ليراهما الناس، وأحببت أن أؤكد لك أنك نجحت في لفت انتباهي إليك، وصرف انتباهي عن الدرس. أصيبت مدرستي بالخرس لما اعتبرته وقاحة، وخاصة أنها كانت في ملاحة شعبان عبدالرحيم، وشكتني إلى عميد المعهد الذي استدعاني فقلت له إن المدرسة التي تكشف عن فخذها تتعمد تشتيت انتباه الطلاب distraction وإنني تعمدت إحراجها بتركيز نظراتي على ساقيها، رغم أنني كمسلم لا يجوز لي ذلك، ولكن الرغبة في توصيل )رسالة( إليها جعلتني أمارس ذلك النوع من البصبصة، واقتنع العميد بوجهة نظري، ولم تكشف تلك »الشعبولية« عن ساقيها أمامنا قط مرة أخرى.

وكنت يومًا ما عضوا في لجنة لاختيار شعار لمهرجان، وبعثت شركة تصميم فني تعمل في مجال الإعلانات فتاة لتعرض علينا نماذج من أعمال الشركة، ووقفت الفتاة أمامنا وهي ترتدي قميصًا قصيرًا لا يغطي أسفل بطنها، وكلما رفعت نموذجًا جعلته في منتصف خصرها، أي المنطقة المكشوفة من أسفل بطنها، وقبل أن تصل إلى النموذج الثالث سألتها ما إذا كان خصرها من إنتاج الشركة، وما إذا كان مطلوبا منها الترويج له )للخصر(، وضحك أعضاء اللجنة وخرجت الفتاة ووجهها يلعن قفاها، وهكذا فشلت تلك الشركة في لحس عقولنا بتضاريس جسم موظفتها!

أعود إلى عباءة »أتحداك تلمسني«، وأقول إن ما طيب خاطري هو أنه تم منع مصممها من عرضها للبيع في جميع دول الخليج، ولكنني »أعود« وأقول إن صمودنا أمام تيار العولمة صار ضعيفا، هل كان واردا قبل عشرين سنة مثلا أن تقبل قناة تلفزيونية عربية عرض إعلان الفوط الصحية النسائية أو الفياغرا؟ الله يستر فقد صارت بعض قنواتنا الفضائية متخصصة في الاتجار بأعراض النساء وممارسة »القوادة«
‏‏‏‏

زاوية غائمة
جعفر عباس