همسة في أذن حكومة الجزيرة .. الموت على قارعة الطريق بسوق ود مدني
همسة في أذن حكومة الجزيرة
الموت على قارعة الطريق بسوق ود مدني
تزايد حالات التهابات وسرطان الجلد مع تزايد باعة (التربيزة) لمستحضرات التجميل
إقرار بحجم المشكلة ومطالبة بقوانين رادعة مع تشديد الرقابة على مداخل الولاية
إتسعت دائرة المركبات الكيمائية المستخدمة في العديد من منتجات تفتيح البشرة بمدينة ود مدني وبطريقة غير شرعية أرقت مضاجع الكثير من الأسر بسبب القنبلة الموقوتة التي تحملها تلكم المركبات بسبب الإستخدام الخاطئ لدى البعض، ويكتظ الموقف العام بسوق ود مدني خاصة في الأمسيات بالعشرات من الترابيز الحاملة للسموم وتنتشر حولها فتيات في ريعان الشباب الباحثات عن تفتيح البشرة بالرغم من علمهن بخطورة الخطوة مستقبلاً كموضة مستحدثة ودخيلة على مجتمعاتنا، ومن خلال التحري عن قضية كريمات تفتيح البشرة بسوق ود مدني أظهرت لنا الوقائع أن هذا الملف شائك للحد البعيد، وحاولنا استقصاء الخطر من ذوي الاختصاص وخرجنا بإجماعهم على خطورة الموقف، في وقت شكوا فيه قلة الإمكانات للحد من هذه المخاطر وحملوا في الوقت ذاته الجهات الرسمية طريقة دخولها للأسواق عن طريق التهريب.
تزايد الباعة مدخل للقضية
لوقت قريب مضى كان عدد باعة (الترابيز) لا يتعدى الخمسة اشخاص، الا أننا لاحظنا التزايد المطرد لأعدادهم، وكشفت جولة (الجريدة) بسوق ود مدني عن انتشار العشرات من باعة مستحضرات التجميل التي تحمل في تركيبتها بعض المركبات الكيمائية مثل الهيدروكيرتزون والكيرتزون، والرصاص والزئبق، علماً بأن تلكم المستحضرات غير مصرح باستخدامها من قبل المجلس القومي للأدوية والسموم، وتبع ذلك التزايد تزايداً في حالات الفشل الكلوي وأمراض الجلد بما فيها سرطانات الجلد، وشغلت قضية انتشار الكريمات العديد من المواطنين الذين عبروا عن سخطهم واستهجانهم نتيجة تلكؤ السلطات في الحد من هذا المد الجارف، حيث يقول أحدهم: “شايفين المشكلة قدامنا وبنسأل أين الأجهزة الرقابية خاصة حماية المستهلك”، مشيراً لتزايد العرض في صورة وصفها (بالمستفزة).
غياب السلطات علامة استفهام
شكل غياب السلطات المنوط بها حماية المستهلك علامة استفهام كبرى بجانب سلطات محلية مدني الكبرى، وإدارة الصيدلة من هذا الأمر الذي يهدد أرواح الكثير من الفتيات وبصورة غير شرعية، حيث تعمل المركبات المشار اليها على تفتيح البشرة وذلك لتأثيرها على مادة الميلانين المسؤولة عن اعطاء الجلد لونه الطبيعي، وزيادة الملانين في البشرة نتيجة التعرض للعوامل الخارجية أو بعض الأمراض كما يعتبر المسؤول عن إسمرار لون البشرة أو إصابتها بالبقع والنمش.
أصل الحكاية
أرجعت المواطنة (ش.أ) السبب الرئيسي لاتجاه الفتيات نحو تلكم المخاطر لرغبة الشباب (الذكور) الذين أصبحت نظرتهم للفتاة (البيضاء) تشبها بالغرب كما قالت، وأردفت: “بالرغم من أن الشباب يعلمون تلكم المخاطر الا أنهم يصرون على جر الفتيات نحوها”، واشارت الى أن الفتيات يرتدن أصحاب الترابيز والفريشة (قدر ظروفك)، بجانب أن الفتاة تجد ضالتها في الكريمات ذات التركيز الكيمائي العالي سريع التأثير، وأوضحت بحسب اعتقادها أن الكريمات عموماً أفضل من الحاجات البلدية لجهة أن الأخيرة بطيئة، وأضافت: “تصنف الفتيات لثلاث فئات هناك عدم وعي لدى البعض من الفتيات، وهناك فئة تعي تماماً المخاطر ولكن للأسف تنقاد اتجاهها خاصة كريمات الفسخ، وفئة أخرى تدرك خطورتها وتبتعد منها”، وذكرت أن هناك بعض الباعة (الجربندية) يقدمون النصح نتيجة لممارستهم المهنة، ولكن (هناك فتيات راسهم قوي) على حد قولها.
المطالبة بتشديد الرقابة
وطالبت (ش.أ) بتشديد الرقابة مع تكثيف الجانب التوعوي، وقالت: “الزول التاجر بعرف يبيع بضاعته لو في الأحياء لجهة أنها دخلت بالتهريب”، وذكرت أن هناك دكاكين بالقرى يتم فيها بيع تلك الكريمات السامة، وطالبت الأولاد بتغيير نظرتهم للفتاة مع تغيير مفهومهم للجمال وعدم الدفع بالبنات لاستخدام طريق الموت البطئ (على حد قولها )، وتابعت: “هناك عدة جهات مسؤولة عن هذه المهددات أولها الأسرة والأجهزة الرقابية ووزارة الصحة”، وشددت على ضرورة تكثيف الورش والسمنارات والعقوبات على بائعي المواد الضارة.
الكريمات نوع الإدمان
قالت الأستاذة سهيلة محيي الدين الناشطة في رابطة اصدقاء مرضى السرطان (راما)، إن استخدام كريمات تفتيح البشرة ذات النسب الغير مسموح بها نوع من أنواع الإدمان لأسباب نفسية (عايزة تبقى بيضاء) وإحساس بالنقص، ومثلت لتلكم المواد بالزئبق والرصاص والهيدروكيتزون والتي قالت إن لها آثار صحية ضارة أقلها التشوهات البسيطة بجانب سرطان الجلد والموية البيضاء والفشل الكلوي والتهابات الكبد وغيرها، ورأت أن استخدام تلك المواد له عدة جوانب منها الأثر النفسي والاقتصادي والديني، وأشارت الى أنها تباع بمبالغ باهظة بجانب أن تغيير البشرة إعتراض على (خلقة ربنا) كما أنها تدخل الفتاة في حالة نفسية حرجة نتيجة الاستخدام المتواصل، وذكرت سهيلة أن تناول تلك المواد مثلها وتعاطي المخدرات، وأوضحت أنهم في رابطة أصدقاء مرضى السرطان بود مدني (راما) يعملون بالتعاون مع فرع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس بالجزيرة على تعريف الفتيات بمخاطر تلك المواد، وطالبت بتضافر كل الجهود الرسمية والشعبية لمناهضتها، وقالت: “المشكلة أن الجزيرة ولاية مفتوحة من كافة الاتجاهات مما يتطلب الأمر توعية مستمرة وشغل متواصل من الأجهزة الرقابية”، ولفتت الى أنهم كناشطين بدأوا التوعية الكترونياً عبر السوشيال ميديا.
إدارة الصيدلة على الخط
وبوصفها الجهة المنوط بها تحديد الأدوية ومدى السماح باستخدامها اتجهنا نحو إدارة الصيدلة بوزارة الصحة بالجزيرة، حيث اشارت مدير ادارة الصيدلة د.الهام حسين، الى أن ادارتها مسؤولة عن الجانب الفني لتحديد الكريم ودرجة تركيزه، وأبانت أن هناك جهات مسؤولة عن دخول تلك الكريمات المعروضة عشوائياً مثل الجمارك وحماية المستهلك، وطالبت بوجود جسم متكامل للحد من الكريمات الضارة، وقالت: “للأسف أي زول شغال براهو والمسؤولية تكاملية”، وحددت مسؤولية ادارتها عن الدواء المهرب في الأماكن المرضية، ولفتت لتكوين لجنة خاصة بالأشياء المهربة الا أن حماية المستهلك لم تبدي أي رأي، وكشفت عن علم المجلس القومي للأدوية والسموم ووصول معلومة له عن انتشار الكريمات التي تحمل مركبات كيمائية ذات درجة تركيز عالية بود مدني خاصة الصباعات.
المطالبة بقوانين رادعة
وطالبت مدير ادارة الصيدلة بضرورة وجود قوانين رادعة تصل الى حد السجن والغرامات المالية الكبيرة، وأشارت الى أن المعروض بالموقف العام قادم عن طريق التهريب ولا علاقة له بالصيدلة، وتابعت: “دواء مهرب وفاسد والبنات يهلكن في أرواحهن”، وأضافت: “نحن كإدارة صيدلة نعمل على تثقيف البنات لمحاربة هذه الظاهرة ولابد من محاربة وجودها ومداخلها”، وطالبت حكومة الولاية بالتدخل العاجل.
تزايد التهاب وحساسية الجلد
بدوره كشف أخصائي الجلدية ومدير مستشفى أحمد عبدالله حمدين للأمراض الجلدية بود مدني الدكتور عبد الرحيم آدم، عن تزايد حالات أمراض التهاب وحساسية الجلد، وأرجع ذلك لاستخدام المستحضرات ذات التركيز العالي، مشيراً لظهور سرطانات الجلد نتيجة استمرار الفتيات لاستخدامها لفترات طويلة، وحذر من مغبة استخدام كريمات التبييض دون استشارة اخصائي جلدية، وقال: “الكريمات تباع في الأسواق وأغلبها يحتوي على الكورتيزون ذات درجة التركيز العالية والهيدروكينون المستخدم في التبييض بدرجة فوق المتاح”، وذكر أن تلك المستحضرات تعمل على التبييض والحساسية الشمسية بجانب أنها تؤدي في المستقبل الى سرطان الجلد والاحمرار والتحسس الشمسي، كما أنها تستخدم للوجه وتحول الوجه العادي الى وجه دهني مما يجعل مستخدمها عرضة للإلتهابات البكتيرية والفطرية والفيروسية، كما تؤدي لعدم ثبات لون الوجه ويدخل في جائرة خبيثة تجعله يحتاج للمزيد من التبييض، وأضاف أن هذه مشكلة كبيرة وهناك حالات كبيرة تتردد على مستشفى الجلدية بود مدني بسبب استخدام كريمات التبييض بطريقة عشوائية.
كريمات خاصة بالجسم
واشار د.عبد الرحيم آدم الى أن هناك كريمات خاصة بتفتيح الجسم منها كميات كبيرة غير مسجلة لدى المجلس القومي للصيدلة والسموم وتباع في الأسواق، موضحاً أن تلك الكريمات تعمل على ازالة الطبقة القرنية وهي طبقة حامية وبازالتها تعطي لون جديد، وقال: “مثلاً البنت ذات الخضرة الشديدة لو قامت باستخدام هذه المواد وهي غير متزوجة تكون كأنها عاملة بوخة أو دخان”، وذكر أن هذه الكريمات لا تعطي اللون الحقيقي بل لون مشحوب وتركيزه عالٍ مما يؤدي الى ترسبه في الكلى ومن ثم يجعل مستخدميه عرضة للالتهابات بأشكالها المختلفة، كما أنه يجعل المستخدمين عرضة للنزيف التلقائي وعرضة للشقريب (تفرط الجسم)، وأوصى آدم البنات بالإبتعاد عن تلك الكريمات الغير مسجلة والغير مسموح باستخدامها.
دائرة خبيثة
ولفت مدير مستشفى الجلدية بود مدني الى أن استمرار البنات في استخدام تلك الكريمات يدخلهن في دائرة خبيثة من يدخل فيها لا يمكنه الخروج منها، مع أهمية مقابلة اختصاصيي الجلدية في حال استخدام أي من الكريمات لمعرفة المادة المستخدمة ودرجة تركيزها ونوعها، بجانب طبيعة العمل المراد استخدامه من أجلها، وأضاف: “حتى الكريمات في الصيدليات إن لم يكن هناك اشراف مبني على معرفة سيكون لها مردود سالب”.
إقرار بخطورة الموقف
أقر مدير فرع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس بالجزيرة، المهندس أبا يزيد الشيخ الطيب، بخطورة المواد الكيمائية ذات التركيز العالي مثل الهيدروكينون والكورتيزون والزئبق والرصاص، موضحاً أن أتيام الهيئة ضبطت كميات كبيرة ممنوع دخولها السودان، وأضاف أن هناك كميات مسموح بدخولها ولكنها منتهية الصلاحية، مؤكداً ضبط أكثر من 100 ألف حبة تسمين مختلفة و10 ألف عبوة من عبوات الكريمات، وأكثر من 2 ألف خلطة، بجانب ضبط بعض المستحضرات الصيدلانية المعروضة لدى باعة (الترابيز) مثل حبوب السكري وآلام المفاصل التي من آثارها الجانبية تفتيح البشرة، وضبط أكثر من 3 آلاف عبوة مرطبات جلد منتهية الصلاحية، وذلك خلال عامي 2016م و2017م، وذكر أن أمر باعة التربيزة هَم يحتاج تضافر جميع الجهات لما له من آثار صحية على البنات لجهة أن طريقة عرضها غير مصرح بها وغير مطابقة للمواصفات وتباع بواسطة أشخاص غير مختصين، بجانب تعرضها لأشعة الشمس، ولفت الى أن إدارته قامت بالتنسيق مع رابطة أصدقاء مرضى السرطان بعمل حملات توعوية وتثقيفية، بجانب الضبطيات بأسواق ود مدني من خلال (حملة أنتي جميلة)، ولفت لمجهودات جهاز الأمن والشرطة وادارة الصيدلة، وبإشراف وزير الصحة بالولاية، وتابع: “من الملاحظات كلما نعمل حملة تأتي كميات متزايدة فالأمر يحتاج المزيد من العمل وتضافر الجهود”.
قضية يطرحها: مزمل صديق – محمد عبد القادر محمداحمد
صحيفة الجريدة