صلاح الدين عووضة

صدى الصوت !!


*لدي حنين جارف نحو الأمكنة الحنينة..

*نعم؛ فالأمكنة قد تكون ذات أُلفة نحوك… أو جفوة… أو لا مبالاة..

*أو أنت الذي تكون أليفاً تجاهها…أو مجافياً…أو محايداً..

*وربما يكمن سر هذه الأحاسيس المتبادلة في ذكريات بعينها… حلوها ومرها..

*وذلك بافتراض- يقرب إلى الظن عندي- أن للأمكنة مشاعر..

*ومن هذه الأمكنة- وهي عديدة- بلدة الخندق الأثرية بشمالنا النوبي..

*وأعظم أثر فيها هو قلعة (قيلي قيلي)… وتعني أحمر في أحمر..

*وأعظم ملوكها هو الملك بشير… الذي سُميت البلدة باسمه..

*وهو جد كاتب هذه السطور… وجد الشاعر النوبي المعتق عبد الإله زمراوي..

*وكذلك جد الهرم النوبي محمد وردي… من جهة أمه..

*وقبل أيام كاد أحد أبنائها ذوي الحنان يبكي أمامي وهو يذكر حنان الخندق..

*ويذكر تحديداً الذي كتبته في كلمة سابقة عن (سر الصوت)..

*وقال إن ذكرياتي الخاصة بتلكم الأيام ذكرته بمكان تسامرهم الشبابي… زمان..

*وهو المكان ذاته الذي يأتي منه الصوت… وصاحبه..

*وإلى الآن لا أحد يدري (من)…أو (ما)… كان صاحب ذاك الصوت المخيف..

*فربما كان بشراً…أو حيواناً…أو ريحاً…أو (روحاً)..

*ومفردة (روح) هذه نختزل بها العديد من تفسيرات الناس الغيبية لمصدر الصوت..

*ولكن محدثي لم يجد الصوت عند زيارته الخندق… حديثاً..

*وهو قريبي أحمد مهدي سلمان… ابن شيخ المنطقة… وأحد سمَّار (المكان)..

*والمكان هو أسفل الاستراحة الشامخة… حيث يمر الصوت..

*يمر من الطريق الجانبي المحاذي لها… وتطل هي على الطريق الرئيسي..

*وتطل كذلك على البلدة…وجزيرتها…ونيلها…وسحرها..

*قال إن كلمتي تلك جعلته يحرص على زيارة (المكان)… من بين بقية الأمكنة..

*فاستشعر المكان… والزمان… والسمر… والصوت..

*استشعر صدى كل ذلكم؛ فاعتصر الحنين قلبه… وعقله… ودموعه..

*فالمكان الذي كان ذا حنين حاضر صار ذا ماضٍ حنين..

*وحتى الصوت ما عاد له وجود… وما عاد المكان هو الذي (ما زي بقية الأمكنة)..

*وكأنما الصوت استوحش المكان بعد هجرة الناس… فهاجر..

*وما دفع الناس إلى هجرة بلدتهم أنها فقدت ما كان يميزها… ويمثل مصدر دخلها..

*وهو موقعها كمركز تجاري يربط بين مناطق عدة..

*من مصر شمالاً وحتى كوستي جنوباً والفاشر غرباً… ومن أحياء الخندق (الفاشر)..

*ولكن البعض يسعى جاهداً الآن لإعادة البلدة سيرتها الأولى..

*وذلك باستبدال مركز تميزها السابق إلى مركز تميز سياحي… وآخر زراعي..

*ومنهم أحمد الذي زارها للبحث عن حاضرها..

*فإذا به يقع أسير ماضيها؛ ويفتقد الضحكات… والهمسات… وفرح الصباحات..

*ويفتقد حتى الصوت الذي كان يخشاه الجميع… ليلاً..

*يخشاه الناس… والحيوان… والطير… وأمواج النيل التي تتكسر فرقاً على الشاطئ..

*فربما كان يصلح هو ذاته لأن يكون (أثراً) سياحياً..

*ولكن لم يبق الآن سوى (صداه !!!).

صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة