الفاتح جبرا

هات الحبوب يا ولد


حينما ينتشر الفقر ويتعاظم القهر والظلم ويصبح الفساد شيئاً عادياً لا يرف لمرتكبه جفن، حينما يتوق الناس للعدل فلا يجدونه ينتشر الكتاب الساخرون يسودون الصحائف بأقلامهم التي تعري إنعدام القيم وسوء الأخلاق تجاه الأباطرة الساقطين الذين يعتقدون واهمين بأن لديهم (شهادة بحث) تخول لهم أن يفعلوا ما يريدون (بالوطن) دون أن يقول لهم أحد (تلت التلاتة كم).
وتظل الكتابة الساخرة نافذة تنطلق منها دانات السخرية وأسلحة الدمار التي تستهدف الرجم والتنكيل بالفاسدين الذين إستباحوا كل شيء كما تظل صوتاً للمواطن المسحوق الذي أصبح غريباً في وطنه.

إن الكتابة الساخرة هي فن محترم لا يدرك كنهه كثير من الذين يعتقدون أنها مجرد كتابة هدفها الإضحاك وتكلف النكات التي هي في أحسن أحوالها تندرج تحت فن «التهريج» وقد يظن بعضهم أن الكتابة الساخرة هي الطريق الأسهل لتناول الظواهر والأحداث لما تحتويه أحيانًا من بساطة ظاهرة ولغة شعبية وهذا بالطبع غير صحيح البتة فالواقع يقول إنه من السهل جدًا أن تبكي الناس ولكن من الصعب أن تضحكهم، وتتجلى براعة الكاتب الساخر في مزج هذه المواقف الجادة التي تعبر عن قضاياه وقضايا مجتمعه بصورة تثير الضحك ثم البكاء بأسلوب يصعب على غيره أن يجاريه فيه.

و لعل أهم ما يميز الكتابة الساخرة هو سرعة وصولها إلى قلوب الناس بمختلف مشاربهم ودرجاتهم وهذا ما يفسر لنا الإقبال المنقطع النظير الذي تحظى به الكتابة الساخرة على وسائل التواصل الإجتماعي والمنتديات الأليكترونية، فالكتابة الساخرة لها قدرة عجيبة على توجيه ضربات موجعة بل قاتلة للموضوع محل الانتقاد أما أكبر عيوبها فيكمن في صعوبة شرح تقنياتها وتفكيك أسرارها مما يجعل بعض الجهات الرقابية تتناولها بالإنتقاد على غير هدى محاولة إلصاق التهم بها وهي تتساءل في نفسها عن ماهية هذه الأسلحة الفتاكة التي قام الكاتب بإستخدامها ووصل بها إلى مبتغاه دون إسفاف مستخدماً لغة المواطن البسيط (وهنا يكمن السر).

إن المقال الساخر كغيره من فنون الأدب الساخر، كالقصيدة والكاريكاتير والقصة والمنولوج والمسرح وغيرها، له موقف مشرّف على مر التاريخ والعصور فالشعوب التي عانت من التنكيل والقهر قد عمدت إلى هذا النوع من الكتابة ومارسته لإيصال رسالتها، لذلك فكلما انخفض سقف الحرية وإزداد تكميم الأفواه ارتفعت معه قامة السخرية وإزدهرت الكتابة الساخرة التي تعتمد على المبالغة في الوصف والرمزية في الغالب لتجنب الوقوع في فخ الرقيب وسيف مصادراته المشرع في أحسن الأحوال (لو ما جابت ليها محاكم)!
لقد جرت العادة أن تكون العلاقة غير جيدة بين الكاتب الساخر والرقيب نتيجة لعدم تفهم الأخير للسخرية الهادفة، ولعدم مقدرته على (فك شفراتها) أيضاً لتخوفه من أن يكون فيها تأليباً للرأي العام على السلطة التي مناط به حماياتها لذلك يعمد (الرقباء) على مر الأزمنة على وصف المقالات الساخرة اللاذعة بأنها خارجة عن الذوق العام متجاوزة لحدود اللياقة والأدب!

لقد بات كل ما حولنا يدعو إلى السخرية، وهل هنالك سخرية أكثر من (أمريكا التي دنا عذابها)، وهل هنالك سخرية أكثر من أن يتحول مدير مكتب رئيس برتبة فريق ليعمل مستشاراً لدولة أجنبية؟ وهل هنالك سخرية أكثر من ترحيل بائعات الشاي بحجة بيعهن للمخدرات بينما المخدرات تستورد بالحاويات؟ وهل هنالك سخرية أكثر من ووصول كيلو الطماطم إلى 35 جنيهاً في (سلة غذاء العالم) وهل هنالك سخرية أكثر من تبوء المطلوبين للعدالة (المناصب الدستورية) وهل هنالك سخرية أكثر من إدراج صور (مجرمي التنزيل) على الصفحات الأولى من الصحف بل هل هنالك أكثر سخرية من تصريح الدبلوماسي المتهم بالتحرش بانه كان في مهمة رسمية (إستخباراتية) داخل (البار) مبرزاً خطاباً من رئيس بعثته يؤكد ذلك!!

كسرة:
هاااات الحبووب يااا ولد

•كسرة جديدة لنج: أخبار كتب فيتنام شنو (و) يا وزير المالية ووزيرة التربية والتعليم شنو (و)… (ليها شهر)

• كسرة ثابتة (قديمة): أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 90 واو – (ليها سبع سنوات وسبعة شهور)؟

• كسرة ثابتة (جديدة):
أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 49 واو (ليها أربعة سنوات وشهرين).

ساخر سبيل – الفاتح جبرا
صحيفة الجريدة