‏‏‏‏مع رئيس الوزراء..

أمس في المؤتمر الصحفي للسيد النائب الأول رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول بكري حسن صالح أعاد ما قاله حول حاجة الدولة لـ)مدرسة اقتصادية جديدة(.. فقلت له ولماذا ليس )مدرسة سياسية جديدة..(.. فالفشل السياسي هو الذي يتسبب في الفشل الاقتصادي.
الساسة هم من يسيطر على القرار الاقتصادي.. فلماذا لا نسمي الفشل سياسياً.. فنبحث عن )مدرسة!!( سياسية جديدة.. لماذا يصر الساسة – وبكري منهم- أنَّهم هم الصحيح الذي يجب أن يثبت ويستمر، وغيرهم الخطأ الذي يجب أن يتغير.

في تقديري؛ بصيرة المراجعة في الدولة فيها خلل كبير، حرق البخور للكبار يحجب عنهم الاعتبار.. فالوزراء والخبراء الذين يتصلون بالشأن العام ينطقون بما يعزز كراسيهم ومصالحهم لا ما قد يثير عليهم الغضب ويهدد وظائفهم.
هناك خلل سياسي خطير للغاية في الدولة، آلية صناعة القرار لا يتوفر لها الصادقون الذين يستطيعون الجهر بالسديد من القول حتى ولو تعارض مع مزاج الكبار.

الصورة التي عرضها رئيس الوزراء تبدو وردية في ظاهرها، لكنها حقيقة قاتمة إلى أبعد مدى، فعندما يتحدث رئيس الوزراء عن )تصدير الزيت( الآن ونحن في العام 2017، فقد يحتاج من يذكره أنَّ السودان كان مكتفياً من الزيوت بل ويصدرها منذ العام 1960، فلكأنما الذي يجب إرجاعه الآن ليس 60 دقيقة في عقارب الساعة، بل 60 عاماً من عمر السودان الضائع هدر.
ألم يكن مهماً أن يطلب رئيس الوزراء من مركز دراسات – حقيقي- مختص أن يجيب على سؤال حتمي، لماذا تكفي مدينة مثل “أم روابة” السودان كله من الزيوت قبل خمسين عاماً بينما يستوردها السودان الآن؟ بكل يقين الخلل سياسي وليس اقتصادياً. فالساسة هم الذين عطلوا المصانع والسكك الحديدية ومشروع الجزيرة وسودانير وسودانلاين، بل والإنسان السوداني نفسه.. وكذلك يفعلون.

من سياق العرض الذي قدمه السيد رئيس الوزراء في المؤتمر الصحفي أمس، ازدادت قناعتي أنَّ الخلل المنهجي لا يزال شاخصاً وبكل قوة.. فالدولة تُدار بمنهج وأحلام )دولة فقيرة(.. إدارة أزمة تحاول أن تُبقي الحياة تدب في أوصال مريض أقصى ما يتمناه أن يبقى على قيد الحياة لا أكثر.. بينما هذا الوطن المترف بموارده في حاجة ماسة لإدارة جريئة بأحلام كبيرة.. إدارة تؤمن أنَّ الفاصل بيننا والرفاهية هو مجرد فكرة وإرادة وتخطيط وهِمَّة لا أكثر..
إلى متى نتسول الآخرين )الودائع( واجتماعات صناديق الإعمار؟.
إلى متى نعيش بمنهج اليد السفلى التي أقصى أمانيها أن يجود عليها الآخرون بالعطايا والمن والأذى؟.
قبل المدرسة الاقتصادية الجديدة.. مطلوب مدرسة سياسية جديدة.. أما آن لمدرسة سياسية حكمتنا وجربناها )28( سنة أن تترجَّل!

حديث المدينة – عثمان ميرغنى
صحيفة التيار

Exit mobile version