جعفر عباس

عن التعايش بين النقنقة والأنانية


تزوجت أنجيلا بالسيد »أولي نيوستاتر« قبل ثلاثين عامًا، أنجبا خلالها ولدين تجاوزا الآن الخامسة والعشرين وصار لكل منهما عائلته الخاصة، وفي مقال كتبته في »الديلي ميل« البريطانية تقول أنجيلا -بعضمة لسانها- )هذه العبارة ترِد على ألسنة المصريين كثيرا، ولكنني لا أعرف مصريا واحدا بلسان فيه عظم(، المهم أن أنجيلا كتبت قائلة إنها أحست في السنوات الأخيرة أنها وزوجها غير متوافقين في أمور كثيرة، فهي )بعكس معظم النساء( لا تحب النظام، ولا يهمها كثيرًا أن يكون البيت مبهدلاً وغير مرتب، ولكنها في الوقت نفسه تحب تنظيم الحفلات والولائم في بيتها لأنها تحب الثرثرة والنميمة، وبالمقابل فإن زوجها مرتب ومنظم ولا يحب الحفلات والضجيج ويفضل تمضية الوقت أمام التلفزيون أو الكمبيوتر، وهكذا بدأت أنجيلا في النقنقة والطنطنة وهي موهبة نسائية محضة: أنت مو فاضي لي.. وجودك في البيت مثل عدمه.. يلعن أبو الكورة على أبو اللي يتفرج عليها.. أنت لا تهش ولا تنش وجالس طول اليوم مثل التنبل على الإنترنت!!

ويومًا بعد يوم ظلت الولية تواصل ذلك الموال، إلى أن التفت زوجها المدعو »أولي« نحوها ذات يوم وقال لها: أنا أيضًا لم أعد أتحمل سخافاتك وحماقاتك وثرثرتك، والإنترنت أحسن منك ومن اللي خلفوك لأنه لا يتكلم إلا بما يُطلَب منه!! تقول أنجيلا إنها ما إن سمعت تلك الكلمات حتى دارت الأرض بها وأحست بالمهانة: أنا بنت أبوي يشتمني هذا الرجل أبو حال »مايل«؟ )عبارة أنا بنت أبوي التي تقال للفخر في منتهى العباطة؛ لأن كل كائن في الدنيا ابن أو بنت أبيه(، والله لاطربق الدنيا على دماغه… زين.. ما هو اقتراحك لفك الاشتباك بيننا؟

تعترف أنجيلا بأنها ندمت على طرح هذا السؤال، خوف أن تكون الإجابة هي الطلاق، ولكن »أولي« أثبت أنه ابن أصول، وقال لها ببرود: كل حي يروح لحاله.. أنت تقيمين في الطابق العلوي من البيت، وأنا أقيم في الطابق الأرضي… وفي اليوم التالي كان قد أحضر البنائين لإقامة مدخل منفصل يؤدي إلى الطابق العلوي… واستغرق تقسيم البيت قرابة العام، وانتقلت أنجيلا بعد ذلك إلى الطابق العلوي، و… كانت النتيجة أنهما صارا يقضيان أوقاتًا أطول مع بعضهما البعض، فإما تهبط هي بالسلم الداخلي إلى الطابق الأرضي لزيارته، فيعد لها الشاي أو الفطائر، وإما يصعد هو إليها، وهكذا انتهى الصدام الذي كاد أن يؤدي إلى طلاق بينهما.

لم أسرد هذه الحكاية لأنني معجب بالحل الذي توصل إليه الزوجان، وليس لأنني متعاطف مع هذا الطرف أو ذاك، ولكن لتأكيد حقيقة أن صمود الزواج سنوات طويلة لا يعني أنه خال من المشاكل، فالمرأة لن تتخلى النقنقة حتى لو كانت كل رغباتها وطلباتها مجابة، إذا وجدت الزوج الذي يصغي إليها، والرجل لن يكف عن أنانيته واعتبار أنه »حر«، ولو كانت تلك الحرية على حساب زوجته، وهو لا يعتبر جلوسه أمام التلفزيون والإنترنت بل وممارسة الونسة/السوالف »الشات« مع أناس لا يعرفهم ساعات طويلة، لا يعتبر أن في ذلك ما يغضب الزوجة.

ومن ثم نفاجأ بين الحين والآخر بأن كوثر وعنتر تطلقا على الرغم من أنهما كانا »مثالاً« للتفاهم طوال ربع قرن… هناك حاجة إلى توازن قوي عاطفي ليستمر الزواج: المرأة »تخف شوية« عن الزوج، أي »تَحِل عن سماه«، والزوج يكون »عنده دم« ولا يتعامل مع زوجته كأنها مجرد »أمر واقع«، ويكفي أننا نعيش تحت سقف واحد! أقول هذا وأنا أرجو من الله ألا يقع هذا المقال في يد زوجتي لكي لا تقف في وجهي هازئة: كمان عندك وِش )وجه( تنصح غيرك؟

زاوية غائمة – جعفر عباس
‏‏‏‏