جعفر عباس

لماذا نقتدي بجاكو


رغم إدراكي أنه كان مطربا مميزا، ينال إعجاب أكثر من مليار من بني البشر كلما صعد على مسرح أو صدر له »ألبوم غنائي«، فإنني لم أكُنْ أكِنُّ )أكن الأولى بضم الكاف وتسكين النون، أي أنها من »كان يكون«، والثانية بكسر الكاف وضم النون المشددة(، المهم لم أكِنُّ له كثير إعجاب، بعد أن صار خاطف لونين أي أسود كما هو أصله الجيني العائلي وأبيض باستخدام الكلوروكس الطبي، وعموما فإنني لا أحترم من يتنكر لأصله ويحاول أن ينزع جلده، ومعروف أن جاكو أنفق الملايين لاكتساب بشرة فاتحة، كما قام باستئصال أنفه الأصلي، واستبداله بأنف حاد تشبها بالبيض، وفوق هذا كله فإن جاكو حاول الابتعاد عن جنس الرجال، واكتسب عمدا بمساعدة أطباء هرمونات أنثوية جعلته نُص كُم بالمعنى الحرفي للكلمة، ويفسر هذا لماذا تعرض ذات مرة لهجوم من »ذكر« عنكبوت، مما أدى إلى تورم شديد في إحدى قدميه.

وهناك الملايين في العالم العربي الذين يشاركونني رأيي هذا في جاكو، ولكن هناك أيضاً ملايين الشباب في العالم العربي الذين يعتقدون أن المرأة تعجب بالرجل الحليوة الذي يزيل شعر ساقيه ويديه بـ»الحلاوة«، ويترك خصلة أو ثلاثا من شعره تتهدل على جبهته، وتتدلى السلاسل والهلاهيل من رقبته، ويُمضي أمام المرآة ساعة وتسعا وأربعين دقيقة على الأقل، قبل أن يترك البيت متوجهاً إلى الخارج.

وهناك أيضاً الملايين من مواطني الشرق الأوسط الذين يتنكرون لأصولهم العرقية، ويؤلفون لعائلاتهم تاريخاً وأشجار نسب مفبركة بسذاجة، وكأنهم يقرون بأن هناك أعراقا معينة لها كل الحسب والنسب، وباقي الأعراق -بما فيها عرقها هي- زبالة، وهم بذلك يجارون ويسايرون ضعاف العقول الذين يتنابزون بالألقاب والأنساب، ويحسبون من لا ينتمي إليهم كائناً طفيلياً!

ولا أفهم سر العنظزة التي نتميز بها وتجعل بعضنا يعيش في عالم فيرشوال ريالِتي أي افتراضي! على ماذا يمارس أي واحد منا التباهي على الآخرين! نحن جميعاً بلا استثناء طفيليون في العالم المعاصر، ونعيش على كدّ وجهد وإبداع الآخرين: قف أمام المرآة وانظر إلى نفسك فستكتشف أنه باستثناء الجسم الذي وهبه الله لك كما وهبه لغيرك في بوركينا فاسو وفيجي وكوريا والدنمارك، باستثناء الجسد فإن كل ما فيك مستورد: النظارة والساعة والجلباب والعمامة والغترة والحذاء والشبشب وطريقة قص الشعر، والكريم والدهان الذي جعل وجهك يلمع، والباروكة التي تعطيك يا حبيبتي الإحساس بأن شعرك شلال أسود أو بني أو أشقر.

ونحن في السودان من أعرق منتجي أجود أنواع القطن في العالم -أو كنا كذلك- ولكننا نستورد العمائم والقمصان، والثياب النسائية الفاخرة من سويسرا وبريطانيا وكلتاهما لا تنتج جراماً واحداً من القطن، ولكنهما تنتجان العقول والقوانين التي تحترم العقول والإبداع والابتكار! وهنا كان مقتل »الحملات الشعبية« المتكررة لمقاطعة السلع الأمريكية، فاقتصرت المقاطعة -على الدوام وبدون نجاح يذكر- على السندويتشات والكولا، ولأنه يصعب الاستغناء عن الكابريس والفياغرا وبرييتني سبيرز وجوليا روبرتس وجوليانا جولي )ارتفعت شعبيتها بعد ان صارت خالية طرف بعد طلاقها من براد بيت(، والهليكوبترات وطائرات البوينغ.

وكل ذلك كوم وعدم قدرتنا على إنتاج طعامنا كوم آخر، فأنت تستطيع أن تعيش من دون شيفروليه أو دبابات أو ديسكو أو فياغرا، ولكن الاستغناء عن الطعام يعني الاستغناء عن الحياة! ولكن حتى الدول العربية »الزراعية« تعيش على صدقات الطعام التي تأتيها من أمريكا والاتحاد الأوروبي، ثم يتبجح إعلامها بـ»القدرة« على التصدي لأمريكا، وتلك قلة حياء… وينسى هذا الإعلام أن المتسول البسيط يحرص على تلقي الصدقة وهو جالس مع الناس اللي تحت، كي يعطي المانح المتصدق إحساساً بالتفوق و»العلو« باعتبار أنه من الناس اللي فوق.

زاوية غائمة – جعفــر عبـــاس