جعفر عباس

ضاع معظم الخروف غير مأسوف عليه


اشتريت لعيد الأضحى الأخير كبشًا أسمر )يعني بلدياتي(، قال لي الخبير السوداني الذي ساعدني على انتقائه إنه خروف شاب ومن عائلة محافظة، وإن لحمه سيكون طيبًا، وكان غالي الثمن، وتم ذبحه، وسلخه، واكتشفت أن الجلد كان يمثل نصف وزن الخروف فقلت: هذه نحو ثمانين دولارًا »طارت«، وما إن وقعت عيناي على ذيل الخروف حتى صحت في الجزار »شيل البتاع ده« فقد كان ذيله يشبه كتلة من القطن المضغوط من فرط امتلائه بالشحم، وبعد أن شرحت للرفيق الركن الجزار المقصود بـ»البتاع«، قال: بابا هادا واجد زين، قلت له: خذه و»تزيَّن« به أنت وبالهناء والشقاء )وتركت له خيار حذف واحدة من نقطتي القاف(.

بتخلصي من الذيل كان ربع ما تبقى من الخروف قد طار، ثم بدأت عملية التشريح وأخرج الجزار أجزاء الجهاز الهضمي وهي الكرش والأمعاء، وهذه العناصر ذات أهمية قصوى في البيت السوداني، حيث يتم غسل الكرش والمصارين سبع مرات إحداهن بالديتول، ثم يتم برم المصران بطريقة زخرفية جميلة لصنع طبق يسمى الكَمُّونية، بعد إضافة بعض اللحوم الحمراء وربما الكبد، والكمونية طبق حلو المذاق ولكن مجرد التفكير في مكوناته يجعلني أضرب عن الطعام نصف يوم، ولهذا قلت للجزار: رفيق هادا بعد واجد زين.. خذه معك! وعندئذ أدركت أن اللحم المتبقي من الخروف لا يبلغ ثمانية كيلوجرامات، وبعد تجريد هذه الكمية المحدودة من الشحم الخارجي المحيط بها بقي عندي نحو خمسة كيلوجرامات من اللحم »شِبه« الصافي، وبما أنني كنت قد دعوت عددًا من العزاب على دفعتين لتناول الغداء والعشاء معي في يوم العيد، فقد اضطررت إلى الاستعانة بمخزون البيت من اللحم المجمد لكي أوفر لضيوفي كمية كافية من اللحم.

وفي المساء وبعد انصراف الضيوف أمسكت بعدد 26 يناير من مجلة نيوزويك الأمريكية وكان موضوع الغلاف: ماذا تأكل وماذا تشرب لتعيش طويلاً! وأدركت عندها أنني أحسنت التصرف بالتخلص من أكثر من ثلثي وزن خروفي لأنني لم أجد في المجلة ما يفيد بأن أكل الجلد مفيد، ووجدت عشرات الأدلة على أن الشحوم تؤذي الصحة )ولكن الغريب في الأمر هو أنني اكتشفت أن أهلي السودانيين على حق عندما يتشبثون بالكمونية لأن الكرش بها إنزيمات تساعد على الهضم بينما لحم المصارين -إذا جازت التسمية- عالي القيمة الغذائية وخال من الدهون(، وطبعًا كان هناك الكلام المعروف من أن الفواكه أكثر فائدة عندما تأكلها كاملة وليس كعصائر، وكان هناك كلام عجيب عن أن البقول مفيدة! وسيد البقول هو الفول، الذي أثبتت تجربتي الشخصية أن به مادة منومة، ومن ثم لا أتعاطاه إلا ليلاً، وأعتقد أن معظم حوادث السيارات التي تقع نهارًا يتسبب فيها أشخاص تناولوا الفول عمدًا في وجبة الإفطار، وثاني البقول مرتبة هي الفاصوليا البيضاء، ويعرف القاصي والداني أن الفاصوليا تهيج وتولِّد الغازات، وأن الإنسان المحترم لا يخالط الآخرين بعد أن يأكل الفاصوليا! بل إن جماعة الدفاع عن البيئة الذين يحذروننا من أن جليد القطب الشمالي سيذوب قريبا ويغرق عديدا من البلدان، يريدون استصدار قرار من الأمم المتحدة بمنع تداول الفاصوليا كطعام للبشر.

أما حاجتك من الدهون اللازمة لتزويد جسمك بالطاقة فخذها -مثلاً- من زيت الزيتون والمكسرات وعلى رأسها الفول السوداني؛ لأنها تحتوي على دهون أوميجا-3، وخير الفول السوداني هو »السوداني« أي المستورد من السودان؛ لأننا لا نتلاعب في المختبرات ببذوره، ولا نعالج نبتاته بالمواد الكيميائية، لأنه يقوم عندنا فيما نسميه مناطق الاقتصاد الطبيعي، حيث يتم بذر البذور وتتولى السماء شؤون سقياه، وينشغل المزارع بأمور أخرى حتى يحين موسم الحصاد!

أقول هذا لأن كثيرين من أهل الخليج يحسبون أنهم يشترون الفول »السوداني« في حين أن ما يشترونه هو الفول السوداني المتأمرك؛ أي الحاصل على جنسية أو جرين كارد أمريكية!
‏‏‏‏

زاوية غائمة – جعفـر عبـاس