أوبة بعد تشدد.. (تصريحات متناقضة).. حين يبتلع الساسة ألسنتهم
كيف ينظر المتابع العادي لنكوص التنفيذي والسياسي عن قرارت كان يساندها بلا تزحزح، ويقول إنه دون إنفاذها خرط القتاد. هل يستحق هذا التراجع الإشادة بحسبانه نهج اعتذاري عمّا اتفق على خطائه وخطله، أم هو أمر ينبغي أن يلام صاحبه على اعتبار أن الأولوية كانت تقتضي الإيمان بما ساق الناس إليه، وإلا لما ساقهم من البداية.
ولفهم هذا الأمر، نحتاج إلى بيان تطبيقي نزعناه من صحيفتكم الغراء “الصيحة” في عددها الصادر يوم أمس (السبت) حيث عنونت بأن رئيس لجنة اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني (البرلمان) علي محمود عبد الرسول، قال إن إجراءات رفع الدعم قفزت بالتضخم إلى نسبة 35%.
وأضاف محمود الذي كان يتحدث في ندوة عن موازنة العام المقبل 2018م بأن إجراءات رفع الدعم التي اتخذتها الحكومة في شهر نوفمبر الماضي، رفعت التضخم ومن ثم عجزت عن خفضه ثانية.
وكانت الحكومة رفعت الدعم عن سلع رئيسة تشمل: الوقود والكهرباء ضمن موازنة العام الحالي 2017 على أمل خفض التضخم وإسناد العملة الوطنية في معركتها الخاسرة مع الدولار الأمريكي وبقية العملات الأجنبية.
قول (محمود)
ليس المحل هنا محل اقتصاد، فتقريرنا ينصب على التحول الذي قاد علي محمود في أول موازنة بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011م بثلثي إنتاج البلاد النفطي، حيث وضع خيار رفع الدعم في مقابل خيار الانهيار الاقتصادي، وأمام هذه الرؤية التي تساوي الخراب بما يمكن اعتباره العقاب، أنفذ البرلمان حزمة المالية التي ترتبت عليها خيارات سوقية مرهقة للمواطن البسيط.
ثم بعد سبع سنوات تقريباً يعود علي محمود بعد تحوله من منصب التنفيذ إلى محل حامي حقوق المواطنين في البرلمان، لينتقد رفع الدعم، ومع أن انتقاده قد لا يكون يطال كامل الحزمة، وإنما ما تم فقط في نوفمبر الماضي، ولكن يحق للصحف إبراز هذا التصريح، لأن ما انتقد قليله فكثيره حقيق بالنقد وأكثر.
قائمة قصيرة
ليس علي محمود وحده من تراجع مؤخراً، ولنا قائمة طويلة، ولكن لا بأس من اختصارها على طريقة البوكر على وزير البيئة بولاية الخرطوم حسن إسماعيل، الذي كان نصيراً لخروج الناس على الحكومة في سبتمبر 2013م، ثم لمّا استوزر قال: إن سبتمبر كانت فشلاً، وهو تصريح، إن وجد غبطة لدى الحكومة، ولكنه قوبل بسخط النشطاء والمعارضين.
كذلك فإن رئيس حركة الإصلاح الآن، د. غازي صلاح الدين العتباني، تراجع من منصة شخصية عن رفضه لترشح البشير لدورة رئاسية جديدة في العام 2020م أسوة بما فعله إبان ترؤوسه كتلة الوطني في البرلمان قبيل انتخابات 2015م حيث قال لـ”الصيحة”: إنه تخلى عن نظرته المثالية للواقع الانتخابي، وأنه لن يعترض على ترشيح الرئيس عمر البشير لدورة جديدة في حال توافقت القوى الوطنية على ذلك، باعتباره خطوة نحو الكمال، وليس الكمال بعينه.
حركة
لن نغوص كثيراً في هذه التحولات، والتبدلات التي ينحوها الساسة في حراكهم السياسي، أو في تحركاتهم من الشيء إلى نقيضه، ولكن يهمنا كيف ينظر أهل الرأي والتحليل إلى هكذا أمر.
يقسم المحلل السياسي محمد نورين تصريحات ومواقف السياسة في نطاقين، نطاق قال إنه يحتمل المناورة ويتعلق بالأمور ذات الطابع التكيتكي، ولكنه أشار إلى أن المرونة تنعدم بالكلية في خانات المبادئ ومنصات الأفكار.
وقال نورين لـ”الصيحة” إنه ضد أن يقود السياسي الناس بشعارات، ويجمعهم حوله بمقتضاها، ثم يعود ويتراجع عنها، مضيفاً أن ذلك يجعلهم يخسرون كامل قاعدتهم الجماهيرية.
رأي نفسي
ينظر الطب النفسي إلى تحولات الساسة عن أقوالهم وأعمالهم بأنه أمر مرتبط في الأساس بالشخصية. فالشجاعة قد تدفع سياسي لمبارحة خانة حزبه من قضية بعينها فيخرج للملأ ليقول برأي مغاير.
ولكن لأجل مزيد من الدقة عن بواعث تراجع السياسي ذاته عن قرارات أو مواقف اتخذها إلى قرارات ومواقف نقيضة؛ أحلنا القضية لأستاذ علم النفس التربوي، قاسم إبراهيم، فأجاب بإجابة ذات شقين، أولهما شق إيجابي وتتصل بأن التراجع قد يكون محمدة، إذا كان نتيجة قناعة بالتراجع عن أخطاء، وإن قال لـ(الصيحة) إنه لا يحبذْ نهج السودانيين في التراجع عن الأخطاء دون مرافقة ذلك باعتذار للجمهور.
أما الشق الثاني للقضية فمتصل بحالة التذبذب، وهي صفة غير خليقة بالسياسي، حد تعبير قاسم، أو بالتراجع عن الموقف والقول لأجل رفع الحرج والضغوط ليس إلّا نتيجة السخط الشعبي – عادة – ولكنه قاسم يعود ويؤشر إلى أن التراجع في هذه الحالة يصب في مصلحة المواطن، وإن كان قشورياً ولا يمثل رأي السياسي، أي يمكن أن يتراجع عنه في أقرب منعطف.
رمادية
قائمة طويلة من الساسة المتقلبين في الآراء النقيضة، ولكن ذلك لم ينقض من سياستهم شيئاً، وكأنما السياسة أن تخسر لونك لصالح الرمادي وعلى الدوام.
الخرطوم: مقداد خالد
الصيحة