الطيب مصطفى

بين روسيا وأمريكا والركابي!


لا أحبذ الرد على الشيخ الدكتور عارف الركابي الذي أحمد له منافحته عن الإسلام، فقد سكتُّ من قبل متجاوزاً عن مقال انتقدني فيه بالرغم من خطل رأيه يومها، ويؤسفني أن أضطر إلى التعقيب على قول له ناهض به مقالي المعنون: (مرحباً بروسيا في السودان)، ذلك أني لا أحب خوض المعارك في غير معترك، كما لا أستسيغ (الغرق في شبر موية) وإضاعة الوقت في قضايا انصرافية مثل إهدار الركابي الوقت والجهد كل عام في مناهضة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في وقت يمور فيه السودان بل والعالم الاسلامي بأحداث جسام، ينبغي أن ينصرف جهدنا جميعاً إليها.

أرغى الأخ الركابي وأزبد في سعيه لإثبات أن الكفر ملة واحدة وأنه لا فرق بين أمريكا التي شننْتُ عليها هجوماً شديداً جراء احتقارها لحلفائها وخداعها لمن يثقون في وعودها الكذوب وبين روسيا التي قلتُ إنها على العكس من أمريكا أثبتت من خلال دعمها لحليفها بشار الأسد إخلاصها لحلفائها، ثم طفق الركابي يستشهد بالآيات ليُثبت أن الكافرين يناصبوننا العداء.

أقول للأخ الركابي ما قاله الإمام الثوري: (إنما الفقه الرخصة من ثقة أما التطرف فيحسنه كل أحد)، وأود أن أسأله: ألم يحالف الرسول صلى الله عليه وسلم قبيلة خزاعة، وقد كانت مُشركة، بل وانتصر لها عندما نقضت قريش عهد الحديبية وقام بفتح مكة جراء نقض قريش ذلك العهد؟!

أود أن أساله كذلك.. ألم يكن أبوطالب عم الرسول الكريم مشركاً بل ومات على الشرك بالرغم من أنه هو الذي آوى محمداً ونصره ومنع قريشاً من إلحاق الأذى به وبالدعوة الوليدة، ثم ألم يحزن الرسول الكريم على وفاة عمه المشرك وسمَّى العام الذي مات فيه وأمّنا خديجة بنت خويلد بعام الحزن؟!

هل نسيت أخي الركابي قصة المطعم بن عدي الذي أجار محمدًا وزيداً بن حارثة عند عودتهما من الطائف؟ المطعم للأسف مات على الشرك يا ركابي فهل اقتنعت أن الناس والأمم درجات في عدائهم وقربهم وبعدهم من المؤمنين، وأن هناك فسحة في التعامل وفقاً لما تقتضيه المصلحة، وأن ديننا أحلَّ الزواج من اليهودية والنصرانية بكل ما في الزواج من سكن ومودة ورحمة؟!

من قال لك أخي الركابي إني راضٍ عما فعلت روسيا من بطش وتنكيل بشعب سوريا لكي تبرق وترعد غضباً مني وتضيع وقتاً ثميناً في إثبات ما أتفق معك عليه، ثم من قال إني راضٍ عن بشار الأسد، وقد هاجمته في مقالي محل نقدك؟!

روسيا اليوم أخي الركابي أقرب إلينا – على الأقل في السودان – من أمريكا ولا تُضمر الشر والكيد الذي تُضمره أمريكا التي أسلمت العراق لإيران والتي ناصبتنا العداء في السودان وضيّقت علينا وحاصرتنا لعقدين من الزمان ولا تزال، على العكس من روسيا فهل تريدنا أن نبقى تحت رحمة أمريكا التي تصر على أن تُصعّر خدها لنا وتحتقرنا وتحاصرنا وتهيننا رغم بذلنا الكثير في سبيل استرضائها، ولماذا تغضب لأننا رحبنا بالتعاون مع روسيا تخفيفاً من ضغط أمريكا التي بلغت من الغطرسة وقلة الأدب درجة أن يجلس نائب وزير خارجيتها مع علمائنا داخل مسجد النيلين ليضغط من أجل أن نتخلى عن بعض مطلوبات ديننا وشريعتنا؟!

أخي الركابي بالله عليك لا (تندعر) في كل شيء خاصة في السياسة التي لا تُجيدها وأعلم أن الدين يُسر وأن التدرج سنة في منهج دعوتنا الإسلامية فشتان شتان ما بين موقف الرسول الكريم في بداية الدعوة في مكة حين كانت الكعبة المشرفة تمتلئ بالأصنام وبين موقفه عند فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة وهو يهوي بسيفه على الأصنام تحطيماً وتدميرًا ويردد: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)؟!

أخي الركابي .. لا أريد أن أحرجك فأخوض في مواقف بعض دولنا العربية التي تجنبت الحديث عنها بالرغم من أنها (تهرول) هذه الأيام خاطبة ود أعدى أعداء الله (اليهود) ممثلين في دولة الكيان الصهيوني التي تحتل الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بل وتجرّم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتصفها بالإرهاب بالرغم من أن حماس لا تُمارس الإرهاب إلا على محتلين أمرنا الله بإرهابهم (ترهبون به عدو الله وعدوكم) وهل من مُستحقٍّ للإرهاب أكبر ممن يحتل الأقصى العزيز على قلوب الشعوب الإسلامية؟!

ثم يكتب الركابي عن حديثي عن إيران والذي وصفه بالمؤسف وأنه قد (ساءه جداً) !

بالله يا أخي الركابي لماذا لا أراك تستاء إلا من حديثي في حين تغمض عينيك عامداً عن ما يجري حولك من تطورات تفقع المرارة؟!

ألم يسئك أن (مولانا) ترمب أصبح راعياً لمراجعة المناهج الدراسية في معهد يقام في عاصمة أرض الحرمين وذلك بغرض تنقيتها وتنقيحها من ما سماه عدو الله ترمب بالإرهاب الإسلامي؟! ألم تسمع تصريحات وزير خارجية أمريكا تيليرسون حول هذا الأمر؟!!!!!!!

إن كان قد ساءك قولي فقد فرى كبدي تجاهلك لما فعله ترمب ولا يزال إبان غزوته تلك غير المباركة!

تعلم أني كتبت ولا أزال الكثير عن الخطر الإيراني سيما وأن إيران تحمل مشروعاً فارسياً يسعى لإقامة إمبراطورية كسرى التي لا يزالون ينقمون على العرب الذين كانوا قبل الإسلام مجرد رعايا لها فإذا بهم يحطّمونها بعد أن عزّوا بالإسلام، ولذلك يحقد الفرس على الفاروق عمر ويقيمون نصباً تذكارياً يُزار حتى الآن لقاتله (المجوسي أبولؤلؤة) في أصفهان!

رغم ذلك فإني أرى أن السودان (اندعر) حين قطع علاقاته مع إيران في حين لم تفعل ذلك حتى دول مجلس التعاون الخليجي الحليفة للسعودية، بل إن السودان بذل دماء شبابه في اليمن ولم يحصد حتى الهشيم في وقت يحصد فيه (محبو الرز) في شمال الوادي – وبالمجان – المليارات من الدولارات، وهذا ما يوجِع شعب السودان العزيز الذي (يلوك) الصبر على هذا الضيم الذي لا يستحقه!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة