الحظر وحده لا يكفي!
صدر البنك المركزي قراراً حظر بموجبه حسابات بعض العملاء الذين بلغ عددهم سبعة وأربعين، صاحب حساب مصرفي، بل جمَّد حساباتهم، فالقرارات التخويفية في ظل هذه الظروف لن تفيد أبداً، خاصة وأن البنك المركزي نفسه لا يملك مالاً ليضخه في المصارف لينهي أسطورة أولئك التجار، فالبنك المركزي (الأيد قصيرة والعين بصيرة)، فإن أراد أن تتدفق العملات الصعبة من الخارج عليه أن يمنح امتيازات للمغتربين إدخال عفش سيارات أي حاجة تفيد المغترب الذي عانى ما عانى من الظلم طوال فترة اغترابه، فالدولة اعتبرته بقرة حلوب يقدِّم لها عرقه وجهد السنين، وهي لا تقدِّر الدور الذي يمكن أن يلعبه في الاقتصاد، ولكن لا ندري من الذي يفكِّر لهذه الحكومة، جهاز المغتربين لا يقل عن بنك السودان فليس في يده مالاً يقدِّمه لأولئك المغتربين، فكل حديثه سنعمل وسنقدِّم، وكلها سينات بدون أي فائدة، وحتى الجهات المسؤولة بالجمارك لا ترحم المغترب الذي يأتي بعد غياب وهو يحمل أغراض شخصية، فيطالب بدفع جماركها، فهل هذا المغترب يمكن أن يدفع بدولار واحد للبلد، بالتأكيد لا، ولذلك أصبح المغترب السوداني فاقد الثقة في أي مؤسسة حكومية تريد أن تأخذ جهده وعرق السنين التي أمضاها بالخارج، أما إذا أرادت الدولة وعلى رأسها البنك المركزي وجهاز المغتربين والجمارك والضرائب، كلها لابد أن تعيد لهذا المغترب الثقة بينها وبينه حتى يمكنه أن يقدِّم أمواله إلى الدولة عبر التحويل الشهري أو السنوي أو اليومي أو أي مال يمكن أن يدفع به إلى داخل البلاد ليساهم في توفير العملة الصعبة للبلد، ولكن الشعارات التي تتحدَّث عنها الدولة فقد اكتوى منها المغترب كثيراً، فبنك السودان لا يفي بما يعد، فكم من مرة طالب البنوك بمنح الأشخاص الذين يقومون بتحويل عملاتهم الحرة من الخارج على أن تسلِّمها البنوك لهم، كما هي، ولكن معظم البنوك تتسلَّم أموال الأشخاص بالعملة الصعبة، وتريد أن تدفع للشخص بالعملة المحلية، وصاحب الحق لا يجد من يناصره في قضيته، فكم من مغترب جاء إلينا يشكو مر الشكوى من تصرُّف بعض البنوك التي حصلت على عملاتهم الحرة وأرادت أن تمنحهم لها بالسوداني، فالقرارات التي أصدرها بنك السودان في مواجهة الأشخاص الذين جمَّدت حساباتهم أو أموالهم فلن تحل المشكلة ولو خسر أولئك كل ما يملكون من مال بالبنوك، فالأمر محتاج إلى جلسة مع أصحاب تلك الأموال من أجل أن يستفيد الوطن منهم ومن أموالهم وإلا فلن يستقر الدولار، طالما بنك السودان نفسه لا يملك مالاً يوفره للعلاج أو القمح أو الدقيق أو غيرها من الاحتياجات الضرورية التي تحتاج إلى دولار مستمر، فطالما البنك ليس له المال للاستيراد وهو في حاجة إليه لا بد أن يتفق مع أولئك التجار في كيفية الخروج من النفق المظلم طالما أهل الاقتصاد ليس لديهم ما يقدِّموه لإنقاذ البلاد من الحالة التي يعيشها، والدولة تعلم تماماً كيف يفكر أولئك التجار، وكيف يمكنهم حل المشكلة، ولكن المصادرة أو الاعتقال أو تجميد الحسابات والأرصدة كلها لن تحل الإشكالية، فنحن في حاجة إلى عملات صعبة وبطرق تلعب الدبلوماسية الناعمة والهادئة فيها دوراً كبيراً بدلاً من دبلوماسية العنف والسجن والمصادرة، فهل يتراجع البنك من قراراته واتخاذ مواقف أخرى تساعد في الحل بدلاً من التعقيد؟
صلاح حبيب – لنا راي
صحيفة المجهر السياسي