اقتصاد وأعمال

تضارب في الأرقام عجز الميزان التجاري.. الجدل ما زال مستمراً


يبدو أن تضارب الأرقام من مصادرها الحقيقية بات سمة بارزة تتسبب في مشاكل، ففي الوقت الذي تؤكد بيانات إدارة الجمارك بخفض عجز الميزان التجاري يحدث العكس في كثير من الدوائر الأخرى المعنية بالأمر بعد أن آلت بعض اختصاصات التجارة إلى دوائر أخرى قسمت بينها الصلاحيات المنزوعة، هذا الأمر دعا رئيس اللجنة المالية والاقتصادية وزير المالية الأسبق علي محمود الى شن هجوم لاذع على تقرير لجنة الصناعة بالبرلمان وبيان وزارة التجارة المتعلق بانخفاض عجز الميزان التجارى بالبلاد.
حيث أشار تقرير اللجنة لوجود تحسن في الميزان التجاري خلال الفترة من “يناير- يونيو” 2017م مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي نسبة لزيادة الصادرات حيث تراجع العجز بنحو 677 مليون دولار من جملة العجز البالغ “2.6” مليار دولار.
ربما لا يعني عجز الميزان التجاري الكثير بالنسبة لبعض الدول ولكنه قد يعني الكثير بالنسبة لبعضها الآخر، فالولايات المتحدة مثلاً يعاني ميزان مدفوعاتها عجزاً دائماً ولكنها لاتشكو من آية آثار سلبية. أما الدول الصغرى مثل السودان فإن العجز لا يمكن التقليل من شأنه أو تجاهل أثره لأن الاعتماد عليه لا يؤثر باقتصاديات الدول الكبرى لا يعني أنه لا يؤثر على الدول الصغيرة لاختلاف الأسباب المكونة له في الحالتين.
ويكشف العجز في الميزان التجاري عن مواطن الضعف في اقتصاد البلد الذي يعانيه ويعبر عن قصور الطاقات الإنتاجية فيه عن تلبية حاجاته، الأمر الذي يضطره إلى الاستيراد لتوفير هذه الحاجات، كما أن نوعية المواد المستوردة تكشف عن طبيعة الهيكل الإنتاجي فاستيراد المواد الغذائية يبين قصور إنتاج الغذاء فيه عن توفير متطلبات الأمن الغذائي واستيراد الآلات والتجهيزات يكشف عن قصور صناعة الآلات والتجهيزات فيه كما أن العجز المستمر في الميزان التجاري يستنزف احتياطيات البلد من العملات الأجنبية ويودي به إلى الاستدانة من الخارج، كما أن العجز يؤدي في النهاية إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية وقوتها الشرائية مما يحدث أزمات اقتصادية واجتماعية غير مستحبة.
وما يبين ذلك تقرير صادر عن هيئة المواصفات أن استيراد السودان ينحو نحو أربعة آلاف وخمسمائة سلعة ومنتج من دول مختلفة. الأمر الذي جعل معظم الاقتصاديين يرجعون زيادة استيراد السودان للسلع الى سياسة الحكومة التي تشجع الاستيراد وتحارب في ذات الوقت الإنتاج الداخلي لاعتمادها الكبير على فاتورة الجمارك في تسيير نفقاتها المتزايدة ويرى آخرون أهمية تنويع الصادرات من دول العالم المختلفة لأجل المنافسة ورخص الأسعار.
أما مدير إدارة الصادر بوزارة التجارة عيسى الشاطر يبرر ذلك في حديث سابق له إلى تأثيرات العقوبات السالبة والتي أدت إلى خسارة السودان معظم أسواق صادراته إذ كانت ٦٥% في عام ١٩٩٦ من الصادرات تتجه وفق اتفاقية لومي للاتحاد الأوربي وأمريكا وأفريقيا انحسرت في ٢٠١٦ إلى ٤.٦% للاتحاد الأوربي و٠٣% لأمريكا مبيناً أن خسارة التجارة الخارجية بلغت حوالي خمسة مليارات دولار لسبب عدم الاستفادة من خطابات الاعتماد بالدفع الآجل واستخدام الدفع الفوري وعدم الاستفادة من الائتمان المصرفي ما عده أجبر السودان على استخدام العديد من العملات الموازية للدولار ما دفع كثيرا من شركات البترول والاتصالات والبنوك إلى مغادرة السودان ودفع بالسودان لتوفير سلع ضرورية مشتقات البترول والأدوية بأسعار عالية نتيجة لانتعاش السوق الموازي لسعر الصرف وأدى إلى الحصول على النقد الأجنبي والقروض بأسعار باهظة نتج عنه ارتفاع فاتورة الصادر والاستيراد.
بلغ عجز الميزان التجاري في وقت مضى حوالي 6.3 مليار دولار كأكبر عجز في تاريخ السودان وبفعل بعض السياسات انخفض إلى 3.8 مليار دولار. وتبعاً لذلك انخفضت عائدات الصادرات من 3 مليارات إلى 2.9 مليار دولار كما انخفضت الواردات من 9.5 مليار إلى 7.1 مليار دولار.
ويقرأ العجز كدليل على ضعف تنافسية البلد أمام المنتجات الأجنبية ويؤدي إلى استنزاف احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي وبالتالي إلى ضرورة الاقتراض من الخارج في غياب موارد أخرى تسد العجز مثل تحويلات العمال المقيمين بالخارج أو تدفقات الاستثمار الأجنبي.
وتضطر البلدان التي تعرف عجزاً تجارياً هيكلياً إلى تخفيض قيمة عملتها الوطنية أملاً في كبح جماح الواردات وتحفيز الصادرات من أجل إعادة بعض التوازن إلى موازينها التجارية.
لكن هذا الإجراء لا يخلو من مخاطر أحياناً حيث يمكن أن يؤدي إلى التضخم دون التمكن من رفع حجم الصادرات بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية والمدخلات التي تدخل في عملية الإنتاج ويدفع الاقتصاد بذلك إلى الدخول في ركود تضخمي ويشهد ارتفاعا للأسعار مصحوبا بركود في الإنتاج ومعدلات بطالة مرتفعة.
وكانت بعض الدراسات أكدت حدوث آثار سلبية جراء العقوبات المفروضة على السودان خسر خلالها في المجال الزراعى بسبب حرمانه من قطع غيار الآليات الزراعية ومنع المعاملات المالية مع البنوك وتوقف الدعم من الصناديق وتأثير ذلك على الصادر وزيادة الفقر وتفاقم الديون والتاثير السلبي على قطاع النقل “جوي- بحري وبري”.
رئيس اللجنة المالية والاقتصادية بالبرلمان ينفي انخفاض العجز في الميزان التجاري، ويقول “كيف نتحدث عن انخفاض في الميزان التجاري وتحسن في سعر الصرف” هذا حديث غير صحيح هنالك تدهور في سعر الصرف بسبب ارتفاع العجز في الميزان التجاري.
إذًا التضارب في الأرقام بين هيئة الجمارك وبنك السودان كشف عن قرار رئاسي جهر به وزير التجارة حاتم السر بإيلاء وزارة التجارة عملية التجارة بالبلاد في كافة مراحلها في إطار إعادة ملفات الوزارة التي وزعت على عدد من المؤسسات.

الصيحة.