تحقيقات وتقارير

الأوضاع انفجرت في “المسجل”.. العنف اللفظي.. البيوت الحزبية “تتشقق”

شهدت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الاتحادي الديمقراطي بولاية البحر الأحمر يوم أمس الأول السبت بمدينة بورتسودان مشادات كلامية وعنف لفظي بين كوادر الحزب الاتحادي الديمقراطي المناصرين للأمين العام المكلف أحمد بلال ومجموعة من قيادات الحزب المناوئة له.
وانفجرت الأوضاع أثناء مؤتمر الحزب بالولاية، ومع إجراءات اختيار المكتب القيادي بالولاية، وحالات الرفض التي صوبت لقائمة المصعدين باسم الولاية للمؤتمر العام للحزب حيث وصفت عملية اختيار المشاركين في المؤتمر بأنها تكريس للعنصرية والعشائرية.
وكادت المشادات الكلامية والعنف اللفظي المتمثل في هتافات ضد الأمين العام المكلف أحمد بلال من خصومه والرد عليها من أنصاره، بأن تتحول إلى مواجهات وعنف جسدي ما أجبر بلال على الانسحاب من قاعة المؤتمر تحت حراسة مشددة.

سوابق
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها داخل الحزب الاتحادي المسجل، الذي تصاعدت حدة الخلافات داخله بين التيارات التي برزت في الحزب. إذ شهدت مؤتمرات الحزب القاعدية بولاية الخرطوم وسنار مشادات لفظية انتهت بمواجهات واعتداء بالكراسي والعصي والحجارة، كما حدث في مؤتمر شرق النيل. وأخطر مواجهة كانت عندما حاولت مجموعة من أنصار الأمين العام الحالي حرق مقر الحزب (الأمانة العامة) احتجاجاً على دخول مساعد الأمين العام لشؤون التنظيم إشراقة سيد محمود العام الماضي إليه عنوة، وحدثت مشادات كلامية عنيفة بين أنصارها ومجموعة أحمد بلال.

سياق
المألوف أن ظاهرة العنف اللفظي والجسدي في العمل السياسي في السودان دائماً تبرز وتتصاعد في سياق التنافس الانتخابي بين الأحزاب، وكثيراً ما قامت بعض الكوادر المتشددة باقتحام أنشطة التنظيمات التي تخالفها الرأي ويقومون بالاعتداء جسدياً ولفظياً.
وفي فترة الإنقاذ برز العنف اللفظي بصورة أشد من قبل قياداتها تجاه نظرائهم من الأحزاب السياسية، خلال التصريحات الصحفية والمهرجانات الخطابية التي يقيمها حزب المؤتمر الوطني التي يسخر فيها من قوى الأحزاب المعارضة، خاصة أيام الحملات الانتخابية، وأسست هذه الممارسات لمرحلة برزت فيها ظاهرة الاعتداء اللفظي على الخصوم السياسيين. وقد وقعت أكثر من حادثة كان أبرزها الاعتداء اللفظي والجسدي الذي تعرض له عراب الإسلاميين، الراحل د. حسن الترابي في مطار اتوا بكندا في مطلع التسعينات، بجانب محاولة الاعتداء عليه مرة أخرى من قبل أنصار حزب الأمة عند عودة الصادق المهدي من الخارج الشهيرة بـ(تفلحون) وكان د. الترابي قد حضر ضمن أحزاب المعارضة وبحكم صلة المصاهرة مع الصادق المهدي إلا أنه قوبل بالهتاف ضده من كوادر الأمة.
وكذلك القيادي بالمؤتمر الوطني د. نافع علي نافع الذي تعرض لعنف جسدي في العاصمة البريطانية، ولم تغب ظاهرة العنف اللفظي حتى في لحظات الحزن، وما حدث في تشييع القيادة بالحزب الشيوعي فاطمة أحمد إبراهيم بتعرض بعض الناشطين من كوادر الحزب الشيوعي بالهتاف المعادي ضد النائب الأول، رئيس الوزراء، الفريق أول ركن بكري حسين صالح، ووالي الخرطوم الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين، التي قوبلت باستنكار ورفض من أسرتها، وكذلك تعرض عدد من قيادات الأحزاب الموالية للسلطة لحالات طرد ورفض في كثير من الاحتفالات، كما حدث لوزير التجارة السابق القيادي بالحزب الاتحادي عثمان عمر الشريف الذي رفض وجوده خلال احتفالات الكيانات الاتحادية المعارضة بالاستقلال بنادي الخريجين بأم درمان وهتف ضده ما أجبره على المغادرة.

داخل البيت
الجديد في مفهوم العنف كظاهرة في العمل السياسي هو، ظهور مجموعات تستخدم العنف ضد الخصوم السياسيين داخل الأحزاب نفسها كإحدى الوسائل الدخيلة والتي تكرست أكثر بعد اختراق (الكارتيل) المالي للأحزاب التي في السلطة. ويرى مراقبون للصراع الحزبي أن ذلك يعود إلى جملة من الأسباب والمبررات، منها غياب مفهوم الديمقراطية المرتبطة بالمؤسسات، وحصر مفهوم التعاقد في الولاء الأعمى للزعيم الذي يحق له إصدار الأوامر والنواهي، حتى ولو جاءت ضد قيم وروح الديمقراطية، وعارضت الحريات والحقوق، كذلك التقاضي عن إساءة استخدام القيادات التي حوله للأداة الحزبية، بما يجعل أي رأي مخالف لرأي الزعيم خيانة عظمى.
وحسب مراقبون لمسيرة الحياة السياسية في السودان فإن ذلك أدى لانتكاسات على مستويات عدة، جعلت المؤسسة الحزبية تبتعد عن دورها الطبيعي في محاولة الوصول إلى حلول فعلية للمشكلات التي تعاني منها المنظومة الحزبية، ودفعت باتجاه استخدام العنف اللفظي والتعبيري للوصول إلى السلطة، وهذا ما برز مؤخراً في غالبية مؤتمرات الأحزاب الموجودة في السلطة التي شهدت مشادات كلامية، تحولت لمواجهات وعنف واشتباك بالأيدي ليس في الحزب الاتحادي المسجل وحده، فهذا قد ظهر في المؤتمرات التنشيطية لحزب الأمة الفدرالي الذي يقوده وزير العمل أحمد بابكر نهار، بل في الحزب الحكام الذي شهد اصطفافاً قبلياً خاصة في ترشيحات الولاة ما دفع رئاسة الجمهورية لإلغاء انتخابات الولاة والاتجاه لتعديل الدستور لتعيينهم بعد ظهور ما ينذر بمزيد من النسخ في الممارسة السياسية.
أرجع المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية د. عبداللطيف البوني بروز ظاهرة العنف اللفظي داخل الحزب الواحد لحالة (تكتيف) العمل السياسي الحزبي في السودان من قبل الحزب الحاكم “المؤتمر الوطني”، ما أدى لانعدام المنافسة، والتباري بين الأحزاب، الأمر الذي خلق انسداداً للصراع الحزبي بحسبان أن الحزب الحاكم أبعد كل الأحزاب من ساحة التنافس، واستحوذ عليها مع الأحزاب الموالية له.
وأضاف البوني في حديثه مع (الصيحة) أن هذه الظاهرة موجودة بشدة داخل الأحزاب الموالية للسلطة والتي ليست في حالة صراع ولا منافسة حرة ونزيهة مع الأحزاب الأخرى وهي، أحزاب أعطاها الحزب الحاكم منحة من السلطة بالضرورة أن تتصارع عليها.
وأكد البوني أن هذا النوع من الصراع الداخلي في الأحزاب أساسه المؤتمر الوطني، ويظهر ذلك فيما حدث في انتخابات (2015) في الكليات الانتخابية الخاصة به، كان التنافس داخله قوي لأنه اختار العمل بالولاء وليس الكفاءة التي تم الاستغناء عنها ما أظهر التنافس الداخلي الذي استعين فيه بالقبيلة والعشيرة والجهوية وانتهى بإلغاء انتخاب الولاة.

ظاهرة قديمة
من جانبه نفى القيادي بالحزب الاتحادي أمين الشباب الأسبق سليمان خالد وجود هذه الظاهرة في الحزب الاتحادي، وقال لـ(الصيحة) إن الاتحادي تأسس ونشأ في رحم الطرق الصوفية وهذا ما جعله أكثر تهذيباً وقبولاً للرأي والرأي الآخر، لكن عندما ظهرت مجموعات تبني تطلعاتها على الباطل بوجودها في السلطة من الطبيعي أن يظهر مثل هذا الصراع الداخلي المصحوب بالعنف اللفظي.
وأكد سليمان أن المشهور عن الاتحاديين مهما حدث بينهم من مواجهات ومشادات، تأتي لحظة يتجاوزون فيها كل خلافاتهم وأقرب أنموذج، ما حدث من اتفاق بين مجموعة الإصلاح بقيادة إشراقة وصديق الهندي، والمجموعة الرافض لإدارة أحمد بلال للإعداد للمؤتمر العام رغم ما حدث بينهما من مواجهات في فترة ماضية، حيث وقعوا اتفاقاً أنهى كل الخلافات بينهما.
وحمّل سليمان مجموعة أحمد بلال كل ما شهده الحزب من عنف بكل أنواعه من لفظي وجسدي، لأن هذه المجموعة لم تعرف أدبيات الحزب الاتحادي الذي تربت خارجه، وبرر مجاراة المناوئين لأحمد بلال بقوله إن العنف اللفظي ليس بغريب على الأحزاب السياسية السودانية، فهو قديم منذ الاستقلال، لكنه كان يمارس بين الأحزاب مع بعضها وليس داخلها.

الصيحة.