زهير السراج

قولوا لنا .. من هو الخائن؟!


* تناولت أمس مشروع (امطار) بمنطقة غرب الدبة بالولاية الشمالية الذى لا تستفيد منه البلد بفرطاقة واحدة، ولا بتشغيل أو تدريب عمالة سودانية، ولا بربطة برسيم واحدة فكل الانتاج يصدر الى الخارج ولا يدخل الى خزينة الدولة دولار واحد من عائداته، رغم أن الحكومة شريك فى المشروع، ولا يوجد له أثر فى ىالميزانية العامة مما يعنى أن ما يأتى منه يدخل الى الجيوب وليس خزينة المال العام!!

* أعرف أننى عندما أتحدث عن المال العام فإن عددا كبيرا من القراء يضحك فى قرارة نفسه ويتساءل (مال عام شنو يا زول، باين عليك ساذج)، ولهم الحق فى ذلك، فإذا كانت ايرادات البترول وعائدات مرور بترول دولة جنوب السودان (18 دولار للبرميل الواحد) وعائدات الذهب وعائدات شركات الاتصال الضخمة وغيرها، لا يظهر لها أثر فى الميزانية العامة، فماذا تعنى عائدات شركة (امطار) مقارنة بتلك العائدات الضخمة المنهوبة!!

* وهى ليست جريمة نهب فقط، وإنما خيانة عظمى إذا حدثت فى أى بلد فإن أقل عقوبة ينالها المجرم هى السجن المؤبد، وفى بعض البلاد الاعدام شنقا فى ميدان عام، فكيف يسكت عليها الشعب السودانى ويتقبلها بكل هذه السهولة، ماذا دهانا أيها الناس .. فبلادنا تُستباح وأرضنا تُباع فى سوق النخاسة، وأموالنا تؤكل وتودع فى المصارف الأجنبية بالمليارات وتشيد بها القصور فى ماليزيا ودبى والخليج، ونحن صامتون صمت الحملان وهى تساق الى منصة الذبيح؟!

* وما ينطبق على (امطار) ينطبق على معظم المشاريع الأخرى (أو ما يطلقون عليها زورا وبهتانا، مشاريع الاستثمار) فى الشمالية وغيرها، وإذا اخذنا مثالا آخر هو مشروع (الراجحى) نجد نفس الجريمة مجسمة بكل تفاصيلها المخيفة، فلقد مُنحت شركة الراجى السعودية 500 ألف فدان فى سهل القولد الخصب، و50 ألف فى نهر النيل، (بإيجار رمزى نصف دولار فقط للفدان فى العام لمدة 99 عاما، أى أن جملة الايجار حوالى 262 ألف دولار سنويا، رغم أن عائد البرسيم فقط حوالى 16 مليون دولار سنويا). ولا تزيد المساحة المستغلة عن 4 آلاف فدان فقط .. تخيلوا !!

* ولهذه المساحات الضخمة قصة إستغفال واستحقار واستحمار مثيرة جدا، يشارك فيها للأسف من يدعون الوطنية ويخونون الآخرين لأنهم ينتقدونهم على الظلم الفساد، أما هم فيبيعون البلد جوة وبرة، ولا يرون فى ذلك خيانة .. وإليكم القصة:

* قبل حوالى 11 عاما صدر توجيه حكومى سعودى للمصارف السعودية بإعطاء تسهيلات وقروض مصرفية بضمان الديوان الملكى لكل من يستثمر من السعوديين (شركات أو افراد) فى الزراعة فى السودان، وكان الذى حدث، ولا يزال، أن سعى السعوديون للحصول على مساحات شاسعة من الأرض فى السودان بمساعدة سودانيين متنفذين، ساعدهم على ذلك القرار الرئاسى رقم 206 بتمليك سهل القولد لهيئة السدود، وبموجب مستندات الإستثمار الصادرة من الحكومة السودانية حصلوا على قروض ضخمة جدا من البنوك السعودية ولكنهم بدلا من استثمارها فى السودان، وضعوها كعوائد إستثمارية فى بنوك (هونق كونق) وغيرها، تربح على رأس الساعة، ولا يستثمرون الا أقل القليل فى السودان (1 – 2 %) ذرا للرماد فى العيون، وهو سر المساحات الضخمة التى يحصلون عليها بمساعدة السودانيين، فكلما كبرت المساحة كبر القرض، وكبرت الأرباح، بينما تظل الأرض السودانية صحراء جرداء عشرات السنين (ولا إستثمار ولا يحزنون) بأبخس الأثمان، ويحرم السودانيون وغيرهم من إستثمارها وتحقيق أى منفعة للبلد، فمن هو الخائن الذى يجب أن توجه إليه جريمة الخيانة العظمى، الذى يسبب كل هذا الدمار للبلد وشعبه، ام الذى يكشف مرتكب هذه الجرائم البشعة؟!

* وكمشروع (امطار) فكل العمالة أجنبية، والمنتج يصدر كله الى الخارج، البرسيم والقمح، وعجول التسمين، فى الوقت الذى تستورد فيه البلاد قمحا مليارى دولار فى العام، ولا يدخل الى الخزينة العامة دولار واحد من عائدات التصدير، ويدير المشروع وزير دولة ولائى سودانى سابق، كما يعمل به كمستشار وزير اتحادى سابق تكريما لهم على وقوفهم الى جانب (الراجحى) على حساب السودان وشعبه ومصالحه، وبيع ارضه وتبويرها وتخريبها!!

* ولا يزال الماعون ممتلئا بالفضائح والمهازل .. إنتظرونى!!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة