حوارات ولقاءات

الوزير والسفير السابق عبد الله أحمد عبد الله: إذا أردنا حلا حقيقيا للمأزق الاقتصادي هذا هو الحل…


** لخص البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله وزير الزراعة الأسبق والسفير السابق، مخرجاً للبلاد وأهلها في الزراعة ذات الإنتاجية العالية والجودة العالية، التي تنافس في الأسواق الخارجي، وأيضا لها القدرة على الصناعة التحويلية كونها مطلوبة. وأكد الأكاديمي المرموق والمحاضر بجامعة الخرطوم أهمية التوجه نحو زراعة محاصيل الصادر بمواصفات وجودة عالية، لجلب العملة الأجنبية لخزينة الدولة، وبذلك يمكن للحكومة أن تتفادى انخفاض سعر الجنيه والتضخم الاقتصادي المستمر.
وتالياً نص الحوار:
* حدثنا عن أهمية الزراعة وتأثيرها المباشر في الجانب الاقتصادي؟
– الزراعة هي المصدر الرئيس للأمن الغذائي، وإذا لم تتوفر السلع الغذائية بالقدر الكافي، قطعاً سيحدث انكشاف غذائي كونها المفتاح لمحاربة الفقر، بيد أن هذا القطاع يعمل فيه قرابة (70%)، بالتالي يجب الاهتمام بهؤلاء اجتماعياً وخدمياً، مثل تعليمهم وحمايتهم من الأمراض وغيرها، علاوة على الاهتمام بالتقانات العلمية، أي اهتمام اجتماعي اقتصادي، لكي تكتمل عملية التنمية الزراعية المستدامة.
* وفقا لظروف البلاد، هل يمكن تحقيق تنمية زراعية مستدامة حقيقية؟
– نحن نمتلك موارد طبيعية كالأرض والماء والمناخ، بجانب التنوع في المحاصيل والبئيات الزراعية، بالكاد السودان لا ينقصه مورد لتأهيل الزراعة، ليصير فاعلاً أكثر في التجارة الزراعية في العالم، بالمقابل لابد من المحافظة على تلك الموارد لتحقيق التنمية المستدامة، لذلك نزرع في الحاضر لنوفي حاجة الجيل الحالي، وفي ذات الوقت نحتفظ بنفس الموارد للجيل القادم، بالتالي الجانب الاجتماعي والاقتصادي والبيئة، جلها تدرج في – ما تسمى – التنمية الزراعية المستدامة، والآن يوجد تدهور ملحوظ في مواقع كثيرة بسبب التصحر وغيره، ومن الضرورة حماية هذه الموارد من التدهور.
* هل تعتقد أن المخرج الرئيس من مأزق الاقتصاد هو الزراعة؟
مخرج السودان وأهله في الزراعة ذات الإنتاجية والجودة العالية، التي لها القدرة على المنافسة خارجيا، بيد أنها تصلح للصناعة التحويلية، وبدلا من أن تصدر المواد خاماً تصدر مواد مصنعة، وهي صناعة مطلوبة، الآن الحكومة مركزة على عدد من المحاصيل، أغلبها متجه نحو الصادر، كونه يجلب العملة الأجنبية، وهذا قطعا يساند الحكومة في تفادي عملية انخفاض سعر الجنية، لذلك أكرر أن المخرج هو الزراعة، ولكن بالموصفات السالف ذكرها.
* هل هنالك مسار واضح لتطوير زراعة الصادر؟
– الإنتاج من أجل الصادر مهم جدا، كون البلاد تعتمد على الصادر في ظل غياب البترول، ولا يتحقق ذلك ما لم تتجه الزراعة نحو إنتاج محاصيل ذات نوعية عالية تنافس عالميا، الآن هناك شركات بدأت بالعمل خاصة وجدي مرغني في القضارف ومناطق أخرى، إضافة إلى الزراعة التعاقدية، وهي أن يقوم ذوو المال بعقد اتفاقيات مع (100) مزارع في الجزيرة مثلاً، بتوفير مدخلات الإنتاج بالقدر الكافي، وفي المواعيد المطلوبة ليها، المزارع ما عليه متابعة مزرعته، وتوزع الفائدة وفق الاتفاق المسبق، عقب استرداد قيمة تكلفة الإنتاج، وهذا نمط جديد أيضا في قطاع الزراعة، وعلى الحكومة أن توفر السياسات، وأيضا عليها مساندة القطاع الخاص في التمويل، فهو أكبر معوق للقطاع الخاص في مسعاه لعمل زراعة حديثة، يعمل زراعة حديثة بجانب التقانات، والآن أغلب الناجحين في مشاريعهم بياخدوا تمويل من البنك الزراعي في حدود (35% ) من الاحتياج، ويكملون بقية التكلفة من مصادرهم الخاصة، وكما نعلم بقلة من يمتلكون مصادر خاصة تكفي لتغطية كلفة الإنتاج، لذلك تعد قضية التمويل والتقانة قضايا رئيسية في هذا المجال، أما الإدارة عموما والإدارة المزرعية خاصة، مهمة جدا كون المستثمر يحرص على متابعة مواعيد الري وانتقاء نوعية التقاوى المعتمدة من الدرجة الأولى من شركات زراعية تنتج تقاوى مخصوص، بالإضافة إلى الميكنة الزراعية، وهي استخدام الآلات الحديثة مثل التراكترات وغيرها، هذه مشاريع لا يستطيع تنفيذها إلا من يمتلكون رؤوس أموال ضخمة.
* الزراعة التقليدية لا تزال بدائية؟
– الزراعة التقليدية (بالسلوكة والطورية) لا تزال موجودة، وهي معروفة بقلة الإنتاج، ولايتعدى إنتاج الفدان جوالين أو ثلاثة، لكن من الضروري الاهتمام بالاستثمار في الزراعة التقليدية، ولا تنمو دون دفع تقني وتمويلي، كون المزارعون ليست لديهم إمكانيات ويكتفون بزراعة 5 فدادين كحد أقصى لسد حاجته من المنتوج، ثم يترك البقية لتمويلها، ويزرع منها، لكن الآن الحكومة متوجهة نحو تطوير القطاع المطري التقليدي، فهو قطاع مهم جدا، لأنه الذي ينتج الصادرات مثل السمسم والفول والصمغ العربي وغيرها، جلها محاصيل تزرع في القطاع التقليدي، لذلك لابد من ارتفاع إنتاجيتها ونوعيتها لكي تصلح للصادر والأغذية، فهي محاصيل غذائية للصادر، وصناعية تصنع منها مشتقاتها، بجانب التصنيع الزراعي.
* الآن تراجعت بعض محاصيل الصادر السوداني في السوق الخارجي، هل يمكنها التنافس مرة أخرى؟
– )هم فاتوك ليه؟)، لأنهم يمتلكون تقانة وتمويل وإدارة جيدة، بالتالي تفوقوا علينا، أما إذا أردنا أن نلحق بركب المنافسة علينا تشجيع البحوث أولاً، من خلال تمويلها بقدر كاف يُمكِّن الباحثين من العمل بدرجة عالية من الكفاءة، كونهم مؤهلين علميا في الشأن، لكن تنقصهم المعدات والتمويل الكافي للقيام بتجاربهم للوصول إلى تقانات.
* ماهو دور البنك الزراعي في نهضة وتنمية قطاع الزراعة ككل؟
-فكرة البنك الزراعي في الأصل أن يكون بنكاً تنموياً، ومع مرور الزمن تحول إلى تجاري، وصار الجانب التنموي فيه ضعيفاً جداً عكس التمويل التجاري، وحالياً يمول بذات القدر كون رأس ماله يأتي من قبل وزراة المالية التي بدورها لا تموله تمويلا كافيا، وهم يستوردون المدخلات الزراعية مثل السماد والمبيدات بجانب التقاوى المحسنة، فهي تأتي عن طريق البنك من خلال لجان مكونة من البنك ووزارتي المالية والزراعة، بالإضافة إلى الجمارك، بالتالي لابد من زيادة رأس مال البنك الزراعي، حتى يتجه نحو التسليف التنموي أكثر من العمل التجاري كبقية البنوك.
* في العام 91 اكتفت البلاد ذاتيا من محصول القمح، والآن توجد فجوة كبيرة في القمح، ما هو تحليلك للموقف؟
القمح هو قضية كبرى، والسودان من الجانب المداري من ناحية البرودة لا يقع في حقل زراعة القمح باستثناء شماله، والآن مزروع في الشمال وفي الجزيرة، هناك باحثون سودانيون استطاعوا أن يولدوا أصنافاً من القمح تحتمل درجة حرارة ليست عالية، وبفضلهم يزرع القمح في الجزيرة ويبلغ متوسط إنتاجها الكلي نحو (10) جولات للفدان، ومنهم مزارعون اتبعوا تعليمات البحوث أنتجوا (20) جوالاً للفدان، مؤخرا ولجت بعض الشركات هذا المجال مثل الراجحي وأمطار في النيل والشمالية، وأنتج الفدان الواحد (30) جوالاً، وبالمقابل التكلفة عالية كونهم استخدموا كل التقانات الحديثة كالتقاوى الممتازة، ووفق خطط مدروسة جل هذه الأدوات جعلت الإنتاج عاليا، لكنهم لم يوفروا تكلفة الثلاثين جوالاً وهذه النقطة تحتاج نقاشاً، أما تراجع زراعة القمح في الجزيرة أعزيها إلى أسباب اقتصادية، أعني أن المزارع إذا زرع عدسية أفضل له من زراعة القمح كون تسعيرته لا تغطي تكلفة إنتاجه إلا في حالة يكون الإنتاج كبيراً، والآن قرابة 300 ألف فدان مزروعة بالقمح في ولاية الجزيرة، بجانب القمح هناك البرسيم وهو محصول صادر جيد يزرع حالياً في دنقلا، لكن يتحفظ بعض الباحثين من التوسع في زراعته، لأنه يبقى لمدة أربع سنوات متتالية، بالتالي يستهلك قدراً كبيراً من المياه، ويقولون بذلك نحن نصدر ماء، دون الاكتراث لعواقب الأمر، كما فعلت السعودية، عندما دعمت زراعة القمح دعماً كبيراً، بالتالي جفت المياة الجوفية التي كانوا يعتمدون عليها.
* شهد قطاع الزراعة نهضة واضحة، عندما كنت وزيراً؟
– ما كان في فرق كبير، لكن النمو الزراعي بطيء، ربما لأني أكاديمي، وذهبت من إدارة الجامعة إلى الزراعة، فكان جل اهتمامي بالبحث العلمي والإرشاد الزراعي وفي رأيي هذه أساسيات الزراعة.
* إذن، أحد أسباب تدهور الزراعة هو الفشل الإداري؟
الإدارة نمرة واحد طبعا، وبطء النمو الزراعي مردود إلى انخفاض مستوى الإدارة والمزرعية تحديدا، ومن ثم يأتي غياب التقانات، هناك تقانات اتعملت لكنها لم تصل المزارعين لغياب الإرشاد الزراعي، والبحث العلمي يقوم بعمل تقانات لكنها توضع على الرف، في حين يجب أن تنزل مباشرة للإرشاد الزراعي، وهو بدوره ينزلها للمزارع، الذي يطبقها على الواقع، وكما قلت ذكرت هناك (قاب) في الجوانب الأكاديمية.
* ما هي الحلول من وجهة نظرك بصفتك خبيراً زراعياً؟
– الحل يكمن في الاتجاة الاستراتيجي، ولابد من وجود سياسات زراعية جيدة، يتبعها التزام سياسي من الحكومة ليقود لاستراتيجية، ولابد أن يوجه الاقتصاد ليرتكز على الزراعة المتقدمة، وإذا لم يحدث ذلك الموقف السوداني الاقتصادي لن ينصلح حاله، كون الذهب والبترول لم يصلحا حاله، والبلاد التي نجحت في الزراعة كالهند والدول الآسيوية، كان فيها التزام سياسي يتبعه صرف على الزراعة، ولكن حاليا الصرف على الزراعة ضئيل جدا، من الضروري الصرف على البحوث والتقانات والإرشاد الزراعي، وخلق قوة عمل مدربة، فهم يدركون كيف يستخدمون هذه التقانات الحديثة، بجانب دخول القطاع الخاص بتجربة الثلاث سنوات والزراعة التعاقدية لحل معضلة التمويل، علاوة على الاستثمار الزراعي، فهو مهم جدا من قبل القطاع الخاص الداخلي والخارجي، وبالمقابل يوخذ الاستثمار الخارجي بتحفظ كبير، وتكون الأبواب مفتوحة أمامهم وميسرة، الآن يوجد تعطيل كبير في إجراءات المستثمر، ويحدث أن يذهب إلى موقع الاستثمار ولا يجده على الواقع، أيضا البنية الأساسية كالكهرباء والطرق وغيرها تجذب المستثمر، يجب أن تكون في خريطة زراعية واضحة في الأراضي الحكومية وغيرها، وفق دراسات تفصيلية أولية، وخالية من العوائق لأن كثيراً من المستثمرين يذهبون إلى الموقع المحدد و”يجوههم بالعكاكيز ويقولوا دي واطة حبوبتنا”، علينا أن ندرك بأن الاستثمار الزراعي يحتاج دراسات معمقة وتسهيلات وبدون تفريط، بجانب الاتفاق مع من يريدون استثمار أراضيهم حسب اتفاق بينهم والمستثمر القادم.
* الآن تتعاون الخرطوم وواشنطن في مجالات عديدة.. ما تأثير ذلك على الاقتصاد؟
خلال الستينيات استفدنا من المعونة الأمريكية.. لكن المعونة الأمريكية لا تساعد في زيادة الإنتاج بقدر ما هي جانب استهلاكي، هم عملوا مؤسسات علمية تقنية كأبونعامة وشمبات من أجل تخريج تقنيين فنيين، في فترات استفادوا منها، لكن إذا العلاقات اتحسنت والسودان رفع اسمه من لائحة الإرهاب.. الفرص كبيرة جدا للاستفادة من التقانات الأمريكية، وأكبر القطاعات التي تأثرت بالعقوبات قطاع الزراعة، وأمريكا من أكثر البلاد تقدما في الزراعة.

اليوم التالي.