الطاهر ساتي: (كُراع الأزمة)

:: ابراهيم العبادي، على لسان ود كين، في مسرحية المك نمر : الشجر إن وقع بتكسرن فراعو / وقمحان الطلب للما بجيبو ضراعو / ليه يا أخوانا للبيناتنا ما بتراعو؟/ البقول راسو موجعو بربطولو كراعو ؟ .. وهكذا أيضاً يجتهد البعض – بالسلطات المركزية والولائية – في معالجة أزمة غلاء الأسعار .. منذ أسابيع، صداع الأزمة بالأسواق والبيوتات (حاد جداً)..ولكن بعض السادة بالحزب الحاكم و السلطات المركزية وسلطات ولاية الخرطوم ووزير العدل يجتهدون في ربط (كُراع الأزمة).. !!

:: وعلى سبيل المثال، وكأن الأزمة هي فقط جشع التجار، أصدرت وزارة التجارة قراراً بإلزام المصانع والمستوردين بالإفصاح عن أسعار بيع السلع في الأسواق المحلية، وعلى أن تفصح المصانع والمستوردين عن أسعار بيع السلع في قائمة أسعار يحدد فيها اسم السلعة ومواصفاتها ومنشأها وسعر البيع لعملائها والاحتفاظ بمستندات التكلفة، ثم يًلزم القرار الوزاري محلات البيع المباشر للمستهلك بوضع ديباجات توضح أسعار البيع ..!!

:: مثل هذا القرار، في هذا التوقيت، ربط مَحكم ل (كراع الأزمة).. فالحقيقة التي تعلمها وزارة التجارة ثم تغض الطرف عنها هي : ما لم تخرج شركات الأجهزة الحكومية من أسواق الناس نهائياً، وما لم يتم تفكيك كل أنواع الإحتكار، وما لم تتقن أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني الرصد والرقابة، وما لم تحسن السلطات النيابية والقضائية تحقيق العدالة الناجزة، فبجانب السياسة الاقتصادية العاجز عن الانتاج، فان المصطلح الإقتصادي المسمى بتحرير الأسعار سيصلي الناس سعيراً لحد ( الإبادة الجماعية).. !!

:: نعم لتحرير الأسواق والأسعار، ولكن لهذا لتحرير شروط لم تلتزم بها أجهزة الدولة، بيد أن المواطن يكتوي بها ..ولعدم التزام الحكومة بشروط التحرير، كان – ولايزال – حال الناس مع تحرير الأسواق والأسعار كمن ألقوه في اليم مكتوفاً من الأيدي مع التحذير بأن لايبتل بالماء، فتجاوز الحال مرحلة الإبتلال إلى ( الغرق).. تحرير الأسواق والأسعار – في بلاد الآخرين – يعني التنافس بالإنتاج والجودة والسعر لصالح المواطن، ولكن هذا التحرير في بلادنا يعني تحالف رداءة السلع مع إرتفاع أسعارها ضد المواطن، أي كما الوضع الراهن..!!

:: لايزال قُبح الإحتكارعلى أوجه التجارة لحد توزيع المصانع للسلع بتعليمات (وحدات حكومية)، سلعة السكر نموذجاً ..ولاتزال شركات الحكومة تزاحم العامة في أسواقها، رغم أنف قرارات التصفية- السنوية- الصادرة عن البرلمان والرئاسة..وكما انتبهت التجارة الخارجية بعد ثلاثة عقود، لايزال المواطن يسأل الباعة عن سعر السلعة بدلاً عن قراءة الديباجة التي توضح السعر، وهذا لايحدث إلا في بلادنا رغم القانون الذي يلزم البائع بوضع تلك الديباجة على كل سلعة بغرض المنافسة بالجودة والسعر ..!!

:: حماية الشعب – من غلاء الأسعار و السلع الفاسدة – لا تحدث بمحض قرار يتيم مراد به ربط (كراع الأزمة)..فالحماية مسؤولية جماعية تبدأ من السياسات الإقتصادية التي تخططها وتنفذها قمة أجهزة الدولة الرسمية، ثم تأتي الرقابة والحماية بقوة القانون وفعالية الأجهزة العدلية، وكذلك بالتثقيف والتوعية في شوارع المجتمعات وأزقتها عبر منظماتها وجمعياتها وإعلامها..هكذا المسؤولية ( الجماعية)..ولكن ما يحدث للمواطن – حالياً بالأسواق – يعكس أن كل مسؤول في موقعه بحاجة إلى مسؤول آخر أو ضمير يراقبه ويحركه ليعمل ما يجب عليه ..!!

بقلم
الطاهر ساتي

Exit mobile version