2014 كان خطاب “الوثبة”.. ويبدو السؤال حاضراً هل أحرزت البلاد قفزات في تحقيق التطلعات أم أن السودان ما بعد الحوار ليس أفضل
في السابع والعشرين من يناير للعام 2014 كان رئيس الجمهورية المشير عمر البشير يخاطب الشعب معلناً انطلاق ما اصطلح على تسميته خطاب (الوثبة) أو إعلان حقبة الحوار الوطني بين كافة فرقاء المشهد السوداني، وبالطبع للاستعداد لبدء واقع سياسي جديد يسوده التحول نحو قيمة الاتفاق بين كافة المكونات في المشهد السياسي السوداني.
تمر اليوم أربع سنوات على البدء في حقبة الحوار الوطني، وهي السنوات التي تطرح سؤالها (اتقدمنا ولا أتاخرنا؟)، ولأي مدى ساهمت عملية الحوار الوطني في تحقيق الغايات التي انطلقت على أساسها مبادرة الرئيس البشير في سعيه لتحقيق الاستقرار في سودان ما بعد أحداث سبتمبر؟
في المؤتمر العام لحزب مؤتمر البجة الذي أقيم بأرض المعسكرات في سوبا، انتظر الجميع خطاب ممثل دولة الجنوب في بلده القديم، جاءهم ساعتها صوت القيادي الجنوبي بونا ملوال الذي تم تعريفه بأنه مقرر لجنة الحوار الوطني في دولة الجنوب، إعلان لجنة للحوار الوطني الوطني في الجنوب سبقته إشادات أفريقية سابقة بعملية الحوار في السودان، حيث اعتبره البعض نقطة انطلاق لمعالجات أزمات الدولة الأفريقية باتباع نهج الحوار في حلحلة القضايا العالقة. لم يكن الاحتفاء بالحوار مجرد حالة أفريقية وإنما بدا كظاهرة داخلية حيث انخرط أكثر من مائة حزب سياسي وحركة مسلحة في العملية، وعلى رأسهم غريم الوطني الأزلي المؤتمر الشعبي في مشروع الحوار الوطني، بل إن أمينه السياسي السابق كمال عمر اعتبر عملية الحوار الوطني نقطة فاصلة بين عهدي عدم الاستقرار والاستقرار في السودان.
في مايو من العام الماضي كان الرئيس البشير يعلن تكوين حكومة الوفاق الوطني ويسبق ذلك بإعلان نواب جدد في المجلس الوطني والمجالس الولائية احتلوا أماكنهم تحت القاعات، باعتبار أن جلوسهم يمثل مخرجات لعملية الحوار الوطني، بالطبع كان مبارك الفاضل يجلس في منصب نائب رئيس الوزراء وفقاً لمخرجات الحوار الوطني، ويمسك أيضاً بمسؤوليات وزير الاستثمار في حكومة الحوار، ولم تكن عملية إعلان الفريق بكري حسن صالح رئيساً لمجلس الوزراء سوى تنفيذ لما جاء في اجتماعات الأعوام الثلاثة.
الأسبوع الفائت كان رئيس الجمهورية يصدر قرارات رئاسية بتشكيل خمسة مجالس سيادية قبل أن يلحقها بمجلس سادس للسلام، تنفيذا لمخرجات الحوار الوطني العملية التي اعتبرها المؤتمر الوطني واحدة من أهم ما أنجزه السودانيون طوال تاريخهم السياسي، حيث اتفقوا للإجماع على الوثيقة الوطنية التي حددت كيف وعبر من يدار السودان، وما هي الغايات المطلوب من الدولة السودانية إنجازها، وبالطبع فإن الوطني يرى كل من هو خارج العملية الوفاقية بأنه أصبح خارج الإجماع الوطني، وأنه ما من ثمة طريق يمكن أن يقوده سوى الالتحاق بالوثيقة الوطنية والتوقيع عليها لضمان حقه في التأثير على مستقبل مسارات العملية السياسية في البلاد بالنسبة للوطني، ومجمل المشاركين في الحوار الوطني، فإن الحوار حقق أهدافه وغاياته وأن المستقبل أكثر إشراقاً.
في مطلع يناير وعقب قطع الطريق أمامه من أجل مخاطبة وقفة جماهيرية احتجاجية على ميزانية العام 2018 التي أطلق عليها البعض ميزانية حكومة الوفاق الوطني اعتبر زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي واحد الذين استجابوا لخطاب الحوار في بدايته، أن الحكومة قد قتلت عملية الحوار وأنهم سيدفنونها، في إشارة لتبني نهج الدعوة لإسقاط النظام. لم يكن تعبير موت الحوار تعبيرا جديدا في استخدامات رئيس الوزراء السابق، وإنما تمت إعادته فقط بالتزامن مع حالة الرفض المتنامي لسياسات الحكومة شعبياً، وما ينطبق على توصيف الحوار عند المهدي ينطبق أيضاً على دعوته لتغيير النظام عبر إنجاز ميثاق جديد هو ميثاق الخلاص الوطني.
عقب أربعة أعوام من إعلان ابتدار الحوار الوطني في خطاب الوثبة، يبدو حزب المؤتمر الشعبي أول (المندغمين) في العملية وكأنه يحاول تنفيذ قفزة للأمام يقول كمال عمر في تصريحات سابقة إن عملية الحوار الوطني تم إخراجها من مضمونها وتحولت إلى محض عملية (محاصصة) مناصب أرهقت المواطنين ببنود صرف جديدة، ما قاله كماتل عمر الذي يجلس الآن في البرلمان زعيماً لكتلة الشعبي، ردده أيضاً من خلفه في منصب الأمين السياسي في الحزب الذي يرى البعض أنه يعاني الآن من مضاعفات رحيل زعيمه الترابي، الأمين عبد الرازق، في حواره لهذه الصحيفة حين أعلن عدم رضائهم كمؤتمر شعبي من مجريات الحريات، باعتباره المدخل لمشاركتهم في حوار الوثبة.
أربع سنوات الآن من إعلان خطاب (الوثبة)، يؤكد فيها المؤتمر الوطني على أن الأمر يمضي بخطى حثيثة نحو الأفضل، وتقرأها المعارضة الرافضة بأنها محض قفزة لأجل استمرار الظلام، ويجلس الشعبي ليعيد حساباته في كل العملية، بينما لا يزال الواقع في البلاد مفتوحاً على الاحتمالات كافة.
اليوم التالي.