تحقيقات وتقارير

ينصح الخبراء بمعالجة تزييف النقود فئة الـ”50″، ويطلقون تنبيهات بخطورة طباعة العملة بحجم كبير

تفكر الحكومة في سحب العملة فئة الخمسين جنيهاً، عقب تحذيرات من دخول ملايين من هذه الفئة إلى الأسواق، كما وضع نخبة من خبراء المصارف والدراسات الاستراتيجية خيارين لسحب العملة (سحب طويل المدى خلال شهور، أو سحب سريع خلال شهر واحد)، في حين أقر وزير الدولة بالمالية بلجوء الحكومة لطباعة العملة، ولفت إلى أن الأموال التي طبعت لم تدخل في حسابات الحكومة، بل ذهبت لدعم المواد البترولية أو استيرادها مما تسبب في انفلات سعر الصرف بمعدلات عالية وغير مسبوقة مقارنة مع الدول ذات الأوضاع المماثلة.
ويرى الخبراء أن طباعة العملة لها آثار إيجابية وسلبية، فالأولى تكون بمثابة دماء جديدة تضخ في شرايين الاقتصاد القومي مما يؤدي إلى انتعاشه، والأثر السالبي أن الخطوة قد تؤدي إلى فقدان الثقة في العملة الوطنية وسيادة موجة من التشاؤم والذي غالبا ما يدفع المدخّرين إلى تحويل الجنيه إلى العملات الأجنبية والذهب كــملجأ.

(1)

على خلفية الحديث عن تزييف في فئة الخمسين جنيها، يقول الخبير المصرفي محمد عبد العزيز، إن البنك المركزي لديه خياران إما أن تعاد طباعة فئة الـ(50) جنيهاً بتصميم وشكل جديد أو اتباع نظرية إلغائها من السوق خوفاً من العملة المزيفة التي دخلت البلاد، خاصة وأن متداولي العملة المزيفة أشاروا إلى وجود كمية كبيرة قادمة، وأضاف: المركزي لديه أيضاً اتجاه لتحجيم السيولة في السوق وخفض العملات الكبيرة على أن تصبح في مستوى صغير، وبالتالي لا يمكن لبنك السودان أن يطبع فئات كبيرة من العملة، مؤكداً أن كل الخيارات واردة خصوصاً وأنهم دائما يأتون بقرار جديد، كما يرى أن طباعة عملة جديدة تحتاج لتكاليف كبيرة لكن دفع هذه التكاليف يكون بغرض حجب الفئة المزيفة، وبين أن الاتجاه لتغيير العملة أو إلغائها يجعل من العملة آمنة.

(2)

الخبير الاقتصادي محمود آدم يرى أن طباعة نقود دون أن يكون لها غطاء يؤدي إلى نتيجة أساسية واحدة، هي: ارتفاع الأسعار حيث يزيد المعروض النقدي دون أن تقابله زيادة موازية في السلع والخدمات، وأضاف: توجد آثار سلبية أخرى على الاقتصاد ككل قد تؤدي إلى انهيار العملة بالكلية، وذلك إذ يفقد الناس ثقتهم في العملة. مشيرا إلى أنه عندما تحدث موجة من التشاؤم تؤدي إلى أن يقوم الناس بالتخلص مما لديهم من هذه العملة وشراء عملات أجنبية، والذي يؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمتها، وذلك يؤدي في النهاية إلى انهيار قيمتها ومن ثم التأثير على الاقتصاد الكلي.
على الجانب الآخر، يعتقد آدم أن طباعة المزيد من النقود قد تكون إحدى أدوات إنعاش الاقتصاد والحث على زيادة الإنتاج، موضحا أنها أداة تستخدم فقط عندما يكون الاقتصاد في حالة نمو وليس في حالة ركود، وأضاف: النقود تكون بمثابة دماء جديدة تضخ في شرايين الاقتصاد القومي مما يؤدي إلى انتعاشه، وفي هذه الحالة، تؤدي طباعة المزيد من النقود إلى خفض الأسعار، ومن ثم إقبال أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في البلاد لرخص أسعارها، فيزيد الإنتاج تبعاً لذلك وبزيادة الإنتاج يزيد المعروض من السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار مرة أخرى.

(3)

يتحدث عبد الحليم إسحق (خبير اقتصادي) عن أهمية التعرف على الضوابط الاقتصادية لطباعة النقود حتى يمكن معرفة المخاطر، وأشار إلى أن عملية طباعة النقود معقدة إلى درجة بعيدة، ولكن لها شروط أساسية يجب أن يلتزم بها البنك المركزي، وتتلخص هذه الشروط في أن كل وحدة نقدية مطبوعة يجب أن يقابلها، إما رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، وإما سلع وخدمات تم إنتاجها في المجتمع، وبدون هذه الشروط تصبح النقود المتداولة في السوق بدون قيمة حقيقية، بل مجرد أوراق مطبوعة، وأضاف: هذا الأمر الذي يجعل التضخم الاقتصادي ظاهرة أساسية، لأنه يتم التجاوز عن هذه الشروط وتتم طباعة نقود بمعدلات تفوق المسموح به.
وتابع عبدالحليم: يكمن دور الحكومة أو البنك المركزي بالتحديد في العمل على استقرار قيمة العملة من خلال ضخ سيولة تتناسب مع حجم الاقتصاد وحجم النمو، موضحا أن الدولة يمكن أن تلجأ إلى الطباعة في حالات معينة، وهي: إحلال الهالك من العملات بعملة أخرى تحل محلها، وهذه الحالة تعتبر إجراءً اقتصاديًا طبيعيًا ليس له أثر على الاقتصاد، أما الحالة الثانية فتتمثل في تحفيز النمو الاقتصادي، وذلك من أجل تحفز الطلب على السلع والخدمات لإنعاش الاقتصاد، وذلك مع مراعاة وجود إنتاج مقابل الوحدات المطبوعة، وذلك من خلال طبع النقود لتغطية النفقات العامة للدولة بسبب نضوب الإيرادات.

(4)

من جهته يقول عبد اللطيف سعيد أستاذ الاقتصاد بكلية شرق النيل، إن طباعة النقود دون أن يكون لها غطاء ومقابل مادي إنتاجي تؤدي إلى نتيجة أساسية واحدة، هي ارتفاع الأسعار وموجة تضخمية، حيث يتضاعف المعروض النقدي من دون أن تقابله زيادة موازية في السلع والخدمات، ورأى سعيد أن من شأن ذلك انخفاض العملة الوطنية بصورة أكبر مما هو عليه الوضع الآن.

اليوم التالي.