الطيب مصطفى

الطلاق وقف مؤقت للزوجية


ويواصل العلامة الشيخ محمد الغزالي تعرية التقاليد الراكدة والوافدة من خلال المقارنة بينها وبين الإسلام، وأرجو أن تتابعوا الأسطر التالية من كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة):

قد يرى الفقيه أن يأخذ الحكم من الظاهر القريب للنص، وقد يتجاوز هذا الظاهر لأسباب تلوح له من أدلة أخرى لها وزن أرجح!.

غير أننا نشعر بالدهشة عندما نرى حكماً فقهياً يترك النص الظاهر القريب دون نظر إلى مصلحة أرجح أو دليل أقوى!!.

وقد رأيتُ ذلك في كثير من قضايا المرأة، ولأضرب مثلاً يوضح ما أريد! إنهاء الحياة الزوجية لا يتم بضربة قاضية – كما يقال في ألعاب الملاكمة – وكلمة الطلاق في نظر الإسلام هي وقف مؤقت لعلاقة تحتاج إلى إعادة نظر، وليست حسماً صارماً لهذه العلاقة.

ومن هنا لا يرتضي الإسلام هذه الكلمة في كل وقتٍ، بل جعل لها أوقاتاً خاصة وبعد وقوعها كما رسم، استبقى الحياة الزوجية داخل البيت مدة طويلة لعل المياه تعود إلى مجاريها، لعل مشاعر الجفاء تبرد وعواطف الحنان تغلب.

واستنفر الإسلام أقارب الزوجين ليمنعوا تفاقم الأزمة ووفاة الحياة الزوجية!!، وآيات القرآن في هذا الصدد كثيرة، وأنقل هنا أول آية في سورة الطلاق: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).

والجملة الأخيرة تشير إلى حكمة بقاء المرأة في البيت، فهو لا يزال بعد الطلاق بيتها كما تشير إلى سبب جعل الطلاق في وقتٍ محددٍ، فهو لا يحل وقت الحيض، ولا يحل في طهر تم فيه الاتصال بين الزوجين! إن له زماناً محدداً يحل فيه.

والتزام هذه المعالم عبرت عنه الآية بهذه الجملة (تلك حدود الله).

وهذه الجملة في بيان الأسلوب الذي يُنهي الحياة الزوجية تشبه الختام الذي تمت به آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ).

وقد أجمع المسلمون على أنه ليس لبشر أن يغير شيئاً من أنصبة المواريث، وأن من فعل ذلك حكمنا ببطلان تصرفه، وأمضينا التقسيم الإلهي كما جاء به النص وكما عبر عنه بأنه حدود الله!!.

وأما حدود الله في أحكام الطلاق فقد واجهت موقفاً آخر، فإن العلماء اتفقوا على أن الطلاق قسمان: سنيّ وبدعي!، فأما الطلاق المشروع الذي جاءت به السنة ودلّ عليه القرآن فهو أن يطلق المرأة طلقة واحدة في طهر لم يمسها فيه، وتبقى المرأة في بيتها طوال أيام عدتها.. وأما الطلاق البدعيّ فهو أن يطلق في أثناء الحيض، أو في طهر مسها فيه، أو يوقع أكثر من طلقة في طهر واحد!.

وهذا المسلك حرام باتفاق العلماء، وهو بدعة لا يعرفها الدين! وكان المفروض أن يرمي هذا الطلاق في سلة المهملات، وأن ينظر إليه كما ينظر إلى مسلك رجل غيّر نظام المواريث، ووضع أنصبة جديدة من عنده، فهذه وتلك حدود الله التي لا يسوغ إهدارها.

لكن الذي وقع للأسف غير ذلك، فإن عدداً من الفقهاء قبل الطلاق البدعي وأمضاه وأنفذ جميع آثاره، إنه عدد كبير! والذي صدع بالحق في هذه القضية من أهل السنة هو ابن تيمية وابن القيم وابن حزم – تقريباً – وثلة من الآخرين تمردوا على تيار الخطأ وقاوموا الانجراف معه.

وقد تصدعت أركان الأسرة عقب الاعتراف بطلاق البدعة، ووقعت مهازل تثير الغثيان والأسى، فهذا رجل ينفق عند زواجه عشرات الألوف ليبني بامرأته، ثم تسمعه في السوق يحلف بالطلاق صادقاً أو كاذباً على رطل من اللحم يساوي دراهم معدودات! وتنهدم الأسرة!.

وهذا فقيه يكتب في تأليف مدرسي لطلاب العلم الديني: من قال لامرأته أنت طالقة نصف تطليقة، وقعت طلقة واحدة!! أي عبث هذا؟ هذه مسالك حشاشين!.

روى ابن حزم في المحلّى أن رجلاً جعل امرأته عليه حراماً، فسأل عن ذلك حميد بن عبد الرحمن الحميري؟ فقال له حميد: إن الله قال لنبيه: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فأرغب)، وأنت رجل تلعب! فأذهب فالعب.

إن التحليل والتحريم ليسا إلى أهواء الناس وفتاواهم (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ..).

إنني أريد الرشد والاستقامة للأسرة المسلمة، ولي ولغيري أن نلقي نظرة فاحصة على أحكام الطلاق، ولن نجيء بشيء من عندنا، ولكننا نختار من أقوال الفقهاء أدناها إلى الكتاب والسنة، وأغيرها على مصلحة الوالدين والأولاد ومستقبلهم.

وأعرف أن هناك من يحمّر وجهه غضباً كي تبقى للطلاق البدعي مكانته العملية! ورضا هؤلاء أو سخطهم لا يعنيني إن اهتمامي الأول والآخر بتعاليم الإسلام ومصلحة المسلمين.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة