تحقيقات وتقارير

تنتظر مصر نتائج التطورات في الحكومة الإثيوبية بعد استقالة ديسالين، و ينقسم رأي النخب في مفاوضات سد النهضة

أثارت استقالة هايلي ميريام ديسالين رئيس مجلس الوزراء الإثيوبي ورئيس الحزب الحاكم بإثيوبيا أمس الأول (الخميس) تساؤلات المصريين بشأن مصير مفاوضات سد النهضة، والتي تخوضها القاهرة مع أديس أبابا والخرطوم على إثر هذه الاستقالة، واستقبلت الأوساط المصرية نبأ استقالة ديسالين من منصبيه كرئيس للوزاء وكرئيس للحزب الحاكم باستغراب شديد صاحبه ترقب وانتظار ما ستؤول إليه مفاوضات النهضة بعد خروج ديسالين، فهل هذا الخروج سيكون في صالح مصر على صعيد المفاوضات أم أن إثيوبيا دولة مؤسسات وخروج الرجل لن يؤثر على مجمل سياستها؟ سؤال نطرحه في هذا التقرير.

كبش فداء:

ترى الدكتورة أماني الطويل رئيس وحدة أفريقيا بمركز الأهرام للدراسات الأفريقية أن مفاوضات سد النهضة سوف تتأثر في حالة واحدة إذا لم تستطع أديس أبابا على الإحتجاجات. وقالت الطويل لـ(اليوم التالي): لو دخلت احتجاجات الأورومو إلى مرحلة شل حركة الدولة سوف يؤثر ذلك على المفاوضات، مضيفة: الانتباه كلية أنه في هذه الحالة سوف يعطل المشروع كله فترة طويلة، لأنها ستؤدي في هذه الحالة إلى انفجار الأوضاع، وتابعت أما إذا تمت السيطرة على الاحتجاجات ستسير الأمور بشكل طبيعي ولن تتأثر المفاوضات، لافتة إلى أن ديسالين لم تكن له علاقة بالأجهزة الأمنية وأنه كان مهمشا، وقالت إنه كان كبش فدا لما حدث في إثيوبيا.

خسارة معركة:

أما هانئ رسلان رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فرأى أن ديسالين خسر معركته الداخلية، وأن خروجه من السلطة كان متوقعا، موضحا أن ديسالين خسر معركته مع أصحاب النفوذ من مجموعة التيجراي الإثنية وخرج من وظيفته كما هو متوقع، لافتا إلى إن استمرار الاضطرابات في إثيوبيا يضعف موقف السلطة الحاكمة، وقال: ربما يجعلها هذا أكثر مرونة في مفاوضات سد النهضة، وأضاف قائلا: علينا الانتظار لرؤية إاتجاهات المجموعة الجديدة وكيفية إدارتها للأمور، مؤكدا أن ديسالين كان مرحلة انتقالية ولم يكن صاحب نفوذ حقيقي، مضيفا: بالتالي لم يكن يستطيع أن يغير في توجهات مليس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، وأوضح رسلان أن الجماعة المنتصرة هم القوميون التغراي، وأن هؤلاء لا يهتمون بالمشروعات الكبرى والاتحادية وجل تركيزهم على الوصول إلى تسويات مع القوميات تضمن استدامة بقائهم في السلطة، كما أوضح أن سيوم مسفن القيادي الكبير في الجبهة الحاكمة بإثيوبيا، وأزيب مسفن (أرملة رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي) معنيان بالصراعات الداخلية، وقال إنهم وجوه قوية وقادرة على الوصول إلى تسويات مع دول الإقليم، وشدد المتخصص في الشأن الأفريقي على أن مجموعة سيوم مسفين هم تيجراويون وكانوا مع زيناوي ولكنهم يختلفون عنه فى عدم وجود الطموح للسيطرة الاتحادية على القوميات الأخرى داخل إثيوبيا أو على مستوى الإقليم وإنما لديهم شعور أقوى بخطورة التوازنات الداخلية وأهمية الحفاظ على التوازنات ومن ثم الحفاظ على سيطرتهم على السلطة.

دون تأثير:

السفير الإثيوبي بالقاهرة تاييى أثقلا سيلاسي أمدي أكد من جانبه أن استقالة ديسالين لن تؤثر بأي شكل من الأشكال على المباحثات الثنائية المعنية بسد النهضة، وقال أمدي في تصريحات صحفية بالقاهرة أمس (الجمعة) إنه من المتوقع أن الدول الثلاث ستعقد اجتماعًا مهمًا الأسبوع المقبل، بأي دولة من الدول الثلاث، حيث أنه لم تتحدد تفاصيل توقيت ومكان انعقاد الاجتماع حتى الآن، مضيفا أن إثيوبيا تحترم التزامها تجاه دول المصب (مصر والسودان)، وأنها ستعمل وفقاً للتعليمات التي أصدرها زعماء الدول الثلاث، خلال لقائهم بالقمة الثلاثية، في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، نهاية شهر يناير الماضي، وقال إن انتقال أو تغيير السلطة في إثيوبيا، يتم وفقاً لما يحدده الدستور، وبناءً على ذلك قام رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، بتقديم الاستقالة إلى اللجنة التنفيذية لحزبه، والتي قبلت استقالته بالفعل، موضحاً أن الهيئة العليا للحزب وتسمى في إثيوبيا (مجلس الحزب) يجب أن تقبل تلك الاستقالة أيضاً، وإذا قبل المجلس الاستقالة، فستتم تسمية مرشح جديد لمنصب رئيس الوزراء، ومن ثم يرسل الحزب بعدها الترشيح الجديد إلى البرلمان الإثيوبي، للموافقة على الترشيح، ثم يَصدُر قرار بتعيين رئيس الوزراء الجديد، ولكن حتى يتم تعيين شخص آخر بهذا المنصب، سيقوم (ديسالين) بتسيير أعمال الدولة كرئيس للوزراء، وتابع: ديسالين ترك المنصب لتمكين الحزب من إجراء المزيد من الإصلاحات في البلاد، فضلاً عن أن استقالته مهمة لتنفيذ إصلاحات داخلية من شأنها أن تؤدى لسلام حقيقي وتحقيق مستوى جيد من الديمقراطية والتنمية الشاملة، معرباً عن إعجابه الشديد بذلك القرار، لافتاً إلى أنها خطوة شجاعة للغاية من شخص رئيس الوزراء، لأنها تعبر عن (صدق وثقة) هذا الرجل – على حد وصفه.

رؤية مغايرة:

واختلف عباس شراقي رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية بجامعة القاهرة في أن خروج ديسالين سوف يؤثر على مفاوضات سد النهضة، وقال إن الاستقالة ستؤثر بشكلٍ أساسي على مصير المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، مضيفًا أن أكثر ما يثير المخاوف هو أننا لا نعلم هل وقع رؤساء الدول الثلاث الاتفاقيات السالفة أم لا؟، ونوه خبير الموارد المائية المصري إلى أن الاضطرابات السياسية في أديس أبابا متجددة، ويجب على الجانب المصري الاستعداد للتعامل مع أي متغيرات، فيما رأى الدكتور ضياء القوصي مستشار وزير الري المصري الأسبق أن ديسالين شخصية ليست لها شعبية كبيرة، لافتًا إلى أنه أرهق الإثيوبيين مادياً وأمنياً بسبب شروعه في بناء سد النهضة، وقال إن الإثيوبيين في حاجة إلى مشاريع تخدمهم وليس إلى مشاريع عملاقة ترهقهم اقتصادياً بدون مردود إيجابي، وينبغي على القاهرة الآن توضيح مدى توافق الدول الثلاث على العودة للمفاوضات، مشيرًا إلى أن نتيجة القرار ستتضح مع أول تصريح لخليفة المسؤول الإثيوبي المستقيل، ورجح أحمد عبدالخالق خبير السدود والموارد المائية السابق بالأمم المتحدة أنه في حالة عدم توقيع اتفاقية واضحة ومكتوبة لن يعتد بالاتفاق المبرم بين الرؤساء الثلاثة في المحافل الدولية، مشيرًا إلى أنه ما من مجال لاعتبار الأزمة انتهت بدون مذكرة تفاهم واضحة وملزمة، موضحا أن مصر تستطيع استغلال الأوضاع السياسية في إثيوبيا، وتقديم مساندة ودعم للشعب الإثيوبي، فدعم مصر للشعب الإثيوبي حالياً له مكاسب سياسية لن يتوقعها أحد.

مصير المفاوضات:

بدوره علق حاتم باشات عضو لجنة الشؤون الأفريقية بالبرلمان المصري، قائلًا: نأمل ألا تؤثر على مفاوضات سد النهضة، التي تمت مؤخرا بين مصر وإثيوبيا، مضيفا أن قراءة المشهد الحالية تعطي تفاؤلًا حيال سير المفاوضات في ما يخص سد النهضة، لافتا إلى أن الاستقالة تعود لأزمات اقتصادية داخل إثيوبيا، موضحا أن الموقف المصري السوداني اتسم بالقوة في الفترة الأخيرة، إضافة إلى وجود نوع من التفاهم والترابط بين البلدين، بعد الجلسة الرباعية بين وزراء خارجية ومخابرات الدولتين، قد يلقي بظلاله على المشهد ويكون له تأثير إيجابي.
يذكر أن ديسالين قد قام منتصف الشهر الماضي بأول زيارة رسمية له إلى مصر تركزت معظم محاورها على سبل دفع مفاوضات سد النهضة التي كانت قد تعثرت في نوفمبر الماضي لعدم اتفاق الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) على تقرير المكتب الاستشاري الفني. وأبدى مراقبون تفاؤلهم حيال تلك الزيارة في عودة المفاوضات مجددًا، وفي نوفمبر لم يتوصل وزراء الري في الدول الثلاث إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات التي يجريها المكتبان الاستشاريان الفرنسيان، حيث رفض السودان وإثيوبيا الموافقة على التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات “سد النهضة”، فيما وافقت مصر على التقرير، وبعدها بنحو أسبوع زار الرئيس عبد الفتاح السيسي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وعقد قمة مع ديسالين والرئيس السوداني عمر البشير على هامش القمة الأفريقية، وقال السيسي: “لن يحدث أي ضرر لمواطني أي دولة من الدول الثلاث في ما يتعلق بقضية المياه”.

اليوم التالي.