2017 كما الأعوام التي سبقته
خلال النصف الأخير من ديسمبر من كل عام، درجت على اقتناء كبريات المجلات البريطانية والأمريكية، لأنها تقوم بعمليات جرد لأهم أحداث وشخصيات وإنجازات العام، فتكتسب بذلك قيمة مرجعية، فرغم هوسي بالإنترنت، ليس بمعنى استخدامه لساعات طوال، بل بمعنى انه صار مستشاري وقاموسي وأستاذي الموثوق به، إلا أنني دقة قديمة فيما يتعلق بأمور القراءة، فمازلت متعلقا بالورق والكتب.
ولكنني صرت عاجزا عن الكتابة باستخدام القلم والورقة، فبسبب الاستخدام الطويل للكمبيوتر لطباعة كل ما اريد كتابته، فإن يدي باتت ترتجف كلما أمسكت بالقلم وصارت أصابعي تتشنج إذا كتبت أكثر من عشرة أسطر، )ولا تنس ان من مزايا الكمبيوتر انه يضع لك خطا أحمر تحت الكلمة الخطأ!( ولكن الورطة التي لا أعرف كيف أخرج منها هي أنني ما كتبت شيكا لأحد خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إلا وارتد لعدم مطابقة توقيعي للتوقيع المسجل لدى البنك، فيظن بي الناس الظنون، رغم أن ذلك يحدث لأنني صرت مثل الكثيرين أجري تعاملاتي البنكية عبر الإنترنت، وبطاقات الائتمان وأجهزة الصرف الآلي، فلأن موضة الشيكات كادت تنتهي فلم أعد أكتب شيكا وبالتالي أضع توقيعي عليه مرة كل سنتين تقريبا.
ما علينا: كنت في الخرطوم كعادتي في زيارة وطني ما بين ديسمبر ويناير، عندما اتصل بي هاتفيا شخص يعمل في إذاعة محلية، قال إنه يريد استطلاع رأيي ك»مثقف« في أهم أحداث عام 2017، وكان من المقرر ان تكون المادة مسجلة ويتم بثها بعد إضافة ما يقوله »مثقفون« آخرون، يدلون بآرائهم حول تلك الأحداث، وبدأ اللقاء بالأسئلة الروتينية المملة عن عام 2017 الذي كان وقتها على وشك لفظ أنفاسه، ثم سألني عن أهم كتاب قرأته خلال تلك السنة فقلت من دون تردد: رواية »الحب في زمن الكوليرا« للكولمبي غبراييل غارثيا ماركيز. وذكرت له انني قرأتها مرتين: في المرة الأولى قرأتها بالعربية، وأحسست بأن الترجمة غير دقيقة، فاشتريت نسخة بالإنجليزية.
وبحسب المذيع انه حصل على مثقف فلتة يقرأ الكتاب الواحد مرتين، فسألني عن أهم عناصر الرواية، فقلت له إنني لا أستطيع ان اتحدث في دقائق عن عمل أدبي ضخم كل فقرة فيه تستوجب التوقف والتأمل. هنا قال الرجل: بعد ان عرفنا أهم عمل أدبي صدر في عام 2017 ونال إعجابك، نريد منك الحديث عن مؤلفات عام 2017 العربية التي استوقفتك، فقلت له بحسن نية إن كتاب ماركيز ذاك صدر عام 1985، المهم أن المذيع أغلق خط الهاتف في وجهي وبالطبع لم يذع حرفا مما قلته له، لأسباب أتفهمها.
يهمني في نهاية كل عام ان أرى من سيكون شخصية العام على غلاف مجلة تايم الأمريكية، لأن المجلة تولي هذا الأمر اهتماما كبيرا، وبعد اختيار الشخصية الأولى يتم عرض سيرة كذا شخص تركوا أيضا بصمات لامست حياة الناس وأثرت فيها مما جعلهم يستحقون التقدير، وأعتقد أن آخر شخصية عربية ظهرت على غلاف تايم كان الرئيس المصري أنور السادات في أواخر سبعينيات القرن الماضي )بمناسبة اتفاق كامب ديفيد(. ونبشت أعداد العديد من المجلات للسنوات الماضية فلم اجد في أي منها ذكرا لإنجاز عربي يعود على البشرية بالفائدة. ومن السهل جدا ان نقول إنهم يتجاهلون إنجازاتنا، ولكنني اتحداك أن تحدثني بأن إنجازًا عربيًا واحدًا في أي مجال: أدب، مسرح، علوم، تكنولوجيا، بيئة، رياضة، بطيخ، كان لافتا على مستوى الكرة الأرضية، فكما قلت في أكثر من مقال هنا في »أخبار الخليج«، لا أظن ان العرب تركوا تأثيرا على العالم الخارجي إلا بنقل الشيشة إلى العواصم الغربية. وبهذا شربوا المقلب، فقد قامت شركة صينية بتسجيل الشيشة كاختراع باسمها، ويا ويل من يصنعها من دون إذن من تلك الشركة.
وكنت ولا أزال متحيزا للعرب في مجال الشعر ولكن حتى هنا صار الشعر المتداول ركيكا غثا لأن الشعراء الأماجد غير مرغوب فيهم صحفيا أو رسميا والعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة.
زاوية غائمة
جعفـر عبـاس